عنوان الفتوى : تريد الاقتراض بالربا لشراء منزل لتستقل عن والدتها ومشكلاتها معها
أنا إنسانة ملتزمة أصلي صلاتي في وقتها وأقوم بكل واجباتي الدينية ومشهود لي بأخلاقي الحميدة ، كما أنني بارَّة بوالدتي ، فأنا من يقوم بإعالة والدتي وأختي ، لكن مشكلتي هي والدتي ، فرغم حبي لها الكبير إلا أنني أصبحت أتوق للاستقلال بحياتي ، وآخذ قرضا لبناء سكن استقل فيه ، فوالدتي شخصية عصبية جدّاً دائما تضيق على حتى أصبت بأمراض نفسية وجسدية ؛ فهي تصرخ لأي سبب وبدون سبب ، كما أنني محرومة من أبسط حقوقي بالبيت ، فأنا أتحرك بحساب ، ولا يحق لي أن ألمس أي شيء إلا بإذنها ، وإذا حصل وقمت بحركة تعتبرها هي خاطئة فسيكون يوماً أسوداً ، أصبحت عصبية جدّاً حتى في عملي ومع صديقاتي ، أصبحت أكره الصوت العالي ، وحتى مجرد الصوت أصبح يسبب لي ارتعاداً غريباً ، بسبب عصبيتي المفرطة أصبحت مصابة بارتفاع الضغط المزمن ، حتى الجيران فأنا وأختي محرومتان من استقبالهم بالبيت ، كما أننا ممنوعتان من فتح الباب لهم أو حتى أن نبارك بالعيد لهم كل شيء ممنوع . سوف تقول لي : لم لا تجلسون مع أمكم وتصارحونها بمشاعركم ؟ وسأجيبك : إننا حاولنا بشتى الطرق أن نحدثها وبطريقة ودية ، ولكنها تحول الموضوع إلى شجار كبير ينتهي بالخصام وتضع نفسها في موقف المظلوم الذي ابتلي بأبناء لا يبرون أمهم ، مع أننا بشهادة الجميع نعم الأبناء الذين يسعون لإرضاء أمهم الأرملة . أكبر تضحية أقدمها لأمي هي أنني أرفض دائما الزواج من أي شخص ؛ لأنني أعلم مسبقا أنه سيرفض أن أعين أمي ماديّاً وهذا شيء لا أقبله ، مهما شرحت لك فلن تتصور معاناتي ؛ لأنك ببساطة ترى أن الحل الوحيد هو الصبر ، ولكن مشكلتي أنني لم أعد قادرة على الصبر أكثر ، صبري جعلني أصاب بمرض الضغط والأعصاب ، حلي الوحيد هو أن أبتعد وذلك لا يعني أن أقطع علاقتي بأمي ، ولكنني أحتاج إلى مكان أجد فيه الراحة التي حرمت منها ، فهل يغفر لي الله التجائي للقرض الربوي ؟ .
الحمد لله
ما تذكرينه عن استقامتك على الشرع والتزامك بالصلاة وقيامك ببر والدتك وفعل
الواجبات أمر مفرح وتستحقين به الشكر والثناء ، والواجب عليك إكمال مسيرة الاستقامة
والطاعة بالابتعاد عن المال الحرام وترك التفكير في الاقتراض بالربا ؛ فالربا من
كبائر الذنوب المهلكة لأصحابها ، وقد توعَّد الله فاعلها بالعذاب ، وليس مثلك من
يقع في هذه الكبيرة التي تستجلب غضب الله وسخطه ، وكل ما ذكرتِه من أسباب لا يعد
عذراً لك في الشرع للاجتراء على اقتراف هذا الذنب ، وهل الراحة في فعل الحرام ؟!
وهل الراحة ستكون في السكن في بيتٍ أُسِّس على الذنب ؟! وهل الراحة في إفساد ما
بينكِ وبين ربكِ عز وجل ؟! لا شك ولا ريب أنه لن تكون لكِ راحة ولن تشعري بالهناء
إذا تجرأتِ على اقتراف جريمة الربا لما توعد به الرب تعالى العصاةَ بما يجدونه من
ضيق الصدر والمعيشة الضنك للقلب ، وقد بينَّا حرمة هذا شراء منزل بالربا في جواب
السؤال رقم ( 143149
) فانظريه .
والواجب عليك الصبر على أخلاق والدتك وشدة أسلوبها ، وبرها واجب مهما حصل منها وصدر
من تصرفات وأفعال تسيء إليكِ ، وليس ثمة ما هو أعظم من الكفر ذنباً ومع ذلك أوجب
الله تعالى على الأولاد برَّ والديهم الكفار ومصاحبتهم بالمعروف ، وما تفعله والدتك
يمكن الصبر عليه وتحمله بل تحمل أضعافه ، وقد وجد من هو أقل منك التزاما واستقامة
يفعل ذلك .
والحل الذي نراه أنسب لك ،
وأبعد لك عن هذا الضغط ، من غير خطأ ولا معصية ، هو أن تعيدي النظر في رفضك للزواج
؛ لأن ما تذكرينه من عدم موافقة الأزواج على إعانتك والدتك ماديّاً ليس على عمومه
فيهم ، بل قد تجدين من يساهم معك في إعانتها ، وليس من حق الزوج – شرعاً – التدخل
في شئونك المالية إذا أردتِ إعانة والدتك – وانظري في ذلك جواب السؤال رقم (
4037 ) - كما أنه
يمكنكِ جعل عملك المباح والإنفاق على أهلكِ شرطاً في عقد الزواج إذا أردتِ زيادة في
التوثيق .
إننا نرجو أن يكون الزواج حلاًّ لمشكلاتكِ مع والدتك ، وأن يكون قاطعاً للتفكير في
الاقتراض بفائدة ربوية ، وأن يكون تخفيفا لما تجدينه من ضغط الأعصاب ؛ إننا نأمل من
الله جل جلاله ، ونرجوه بفضله وإحسانه : أن يمن عليك بالزوج الصالح الطيب ، الذي
يقدر ظرفك ، ويعينك عليه ؛ فكوني على أمل من الله ورجاء فيه أن يوفقك لذلك ، ولا
تترددي في إعادة النظر في رفض الزواج ولعلَّه أن يكون مفتاح حل لما تعانينه .
نسأل الله أن يوفقك لما فيه رضاه ، وأن يعينك على بر والدتك ، وأن يرزقك زوجاً
صالحا وذرية طيبة .
والله أعلم