عنوان الفتوى : كيف يتعامل مع أمِّه التي لها شريكة تعيش معها بفاحشة السحاق ؟!

مدة قراءة السؤال : 4 دقائق

أنا رجل في الثانية والثلاثين من العمر ، اعتنقت الإسلام منذ 12 عاماً ، وأستطيع القول إني رجل متدين- وإن كان هناك بعض الأخطاء التي لا يسلم منها أحد - وأسعى دائماً لتطبيق الإسلام في حياتي وحياة أسرتي قدر الإمكان ، وسؤالي اليوم بخصوص كيفية التعامل مع والدتي غير المسلمة ، وكيفية التصرف تجاه نمط حياتها الذي تبنّته منذ سنين . فوالدتي امرأة سحاقية ! منذ أن كنت صغيراً ، أي : منذ ما يقارب 25 سنة ! وهي تعيش مع صديقتها ( زوجتها ) منذ ذلك الحين ، وهنّ مَن أشرفن على تربيتي معاً . ومنذ أن اعتنقت الإسلام وأنا أحاول أن أدعوهن إلى الله وأعظهن بالترغيب تارة وبالترهيب أخرى ، ومع ذلك لم يتغير في الأمر شيء . ليس من السهل التعامل مع قضية كهذه ، لا سيّما وأن لهما ( أمّي وزوجتها ) الفضل في تربيتي ، وهذا ما يعقّد التعامل ، ويجعله يبلغ من التوتر حدّاً لا يُعجب أي طرف منّا ، ففي بعض الأحيان مثلاً تتصل والدتي وتخبرنا أنها ستأتي لزيارتنا ، إذ إنها تعيش في مدينة أخرى ، وبما أني رجل مسلم لا أقبل علاقة محرمة كهذه فإني أشترط عليها أن لا تأتي بـ ( زوجتها ) معها ، فيقع ذلك في نفسها موقعاً وتبكي ، وتقول إنه يجب عليَّ أن أعتبرها كوالدتي أيضاً ، فقد كان لها فضل عليّ سواءً من ناحية التربية أو من الناحية المالية ، فقد اعتادت أن تساعدني ماليّاً منذ أن كنت صغيراً ، وهنا يقع الخلاف وينشأ التوتر لدرجة أنها تتعرض لي بالسب والشتم ، وأشد من هذا كله الطعن في دين الإسلام . أشعر كما لو أني في مفترق طريق يصعب معه تحديد الوجهة الصحيحة ، فبالقدر الذي أعرف فيه حق والدتي ووجوب طاعتي لها ، الأمر ذاته في معرفتي لمدى عظم الجرم الذي تفعله وتريد أن تجبرني على الاعتراف به والتعايش معه كشيء مسلّم به . إن لي ولدين تحبهما حبّاً شديداً وكثيراً ما تتصل وتتحدث معهما ، الأمر الذي يزعجني كثيراً ؛ لأني أخشى أن تؤثّر عليهما بمرور الزمن ، لكن هل يجوز لي أن أمنعهم من الحديث معها ، أو أن أطلب منها أن تكف عن ذلك ؟! فيه من الصعوبة شيء كثير ، أليس كذلك ؟! . فما رأي الشرع في كيفية التعامل مع وضع كوضعي ؟ فإذا قلت لها إني لا أريد رؤية ( زوجتها ) وقطعت قراري بذلك ، فإنهما سيقطعان علاقتهما بي نهائيّاً ، وأخسر بذلك والدتي ، فما العمل ؟ إنني أحياناً أفكر في قطع هذه العلاقة بشكل جاد لما فيها من تأثير سلبي عليَّ وعلى أسرتي ، ولكني أخشى أن يعاقبني الله على عدم طاعتي لوالدتي ، أرجو منكم التوجيه . وجزاكم الله خيراً .

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق


الحمد لله
أولاً:
لا شك أن ما عليه أمك الآن من حال مخالف للشرائع وللفطر السوية ، وهو غاية في القبح والشناعة ، ولم يقتصر الأمر على مجرد فعل السحاق ، بل تعداه إلى المجاهرة بالفاحشة والرضا باستمرار الحياة مع تلك الشريكة لها في فحشها ، ومما لا شك فيه أن ذنب الكفر أعظم فكيف إذا انضاف معه مثل تلك الفاحشة المبينة ؟! .

ثانياً:
مع كون حال والدتك هو ما ذكرتَه ، فإن هذا لا يمنعك من برِّها بل هو واجب عليك ، ومن أعظم البر بها مداومة نصحها لإنقاذها من الكفر وفعل الفحشاء ؛ فكون الوالدين كفاراً أو فسَّاقاً لا يمنع برهما في شرع الله تعالى .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 6 / 258 ) : " ومن الواجب على المسلم بر الوالدين وإن كانا فاسقين أو كافرين ، ويجب طاعتهما في غير معصية الله تعالى ، فإن كانا كافرين فليصاحبهما في الدنيا معروفا ، ولا يطعهما في كفر ولا في معصية الله تعالى ، قال سبحانه وتعالى ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) الإسراء/ 23 ، وقال تعالى ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) لقمان/ 15 ، وهي أولى من الأب بالبر لقوله تعالى ( وَوَصَّيْنَا الإِْنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ) لقمان/ 14 ؛ ولأن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَال : " يَا رَسُول اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَال : ( أُمُّكَ ) ، قَال : ثُمَّ مَنْ ؟ قَال ( أُمُّكَ ) ، قَال : ثُمَّ مَنْ ؟ قَال ( أُمُّكَ ) ، قَال : ثُمَّ مَنْ ؟ قَال ( أَبُوكَ " ) - رواه البخاري - ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال : سَأَلْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الْعَمَل أَفْضَل ؟ قَال ( الصَّلاَةُ على وَقْتِهَا وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ ) – رواه البخاري - . انتهى .

ثالثاً:
ليُعلم أن برَّك الواجب بأمك لا يلزم منه أنك تسمح لها بدخول بيتك على الحال الذي تريده هي كأن تصحب معها شريكتها ، كما لا يجوز – مثلاً – أن يسمح الابن لأبيه باصطحاب شريكته المومس معه عند زيارته ؛ لما يترتب على تلك الحالات من مفاسد عظيمة وخاصة من جهة الأمان على أولاد الابن ، ومن جهة العناية بتربيتهم تربية إسلامية .

وهناك مجالات متعددة لبرِّك بأمك كالاتصال للسؤال عنها ، وتأليف قلبها بإرسال هدايا ، ولا بأس من أن تزورها أنت وحدك ، لنصحها وتذكيرها ودعوتها هي وتلك الشريكة ، لكن لا تصحب أولادك معك لزيارتها إلا إذا كنت تعلم أن شريكتها ليست موجودة معها ، كما لا تسمح لها أن تزورك مع شريكتها ، ولا تلتفت لما قد يلقيه الشيطان في قلبك أن هذا ليس من البر وأنك قد أسأت في التعامل معها .
وإذا رأيتَ أن هجرك لوالدتك قد يؤثِّر فيها من جهة مراجعة نفسها فيما تفعل واحتمال هدايتها فلا بأس بهجرها بل قد يتعين عليك هذا العلاج ، وإذا رأيت أنه غير نافع فيها بل قد يؤدي إلى آثار سلبية فابق على ما ذكرناه لك من عدم اصطحاب أطفالك معك عند زيارتها ، ومن عدم السماح لشريكتها بأن تكون معها في زيارتها لكم .

ونوصيك بالاستمرار على نصحها مع عدم اليأس وعدم الترك ، وأن تتلطف في دعوتها فها هو إبراهيم عليه السلام يتلطف مع والده غاية التلطف وأبوه صانع للأصنام عابد لها مدافع عنها هاجر لابنه من أجلها بل قد رضي لابنه أن يحرق في النار بسببها ، ونوصيك بالإكثار من الدعاء لها ، فعسى الله أن يفتح على قلبها فتصير من المسلمين ، والله يحفظك ويرعاك ونسأل الله أن يعجل هدايتها .
وانظر – للأهمية – جواب السؤال رقم ( 136489 ) .

والله أعلم