عنوان الفتوى : معنى " كان " في مثل قوله تعالى ( وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا بَصِيرًا )
يكثر في القرآن استخدام كلمة " كان " عندما نتحدث بعض صفات الله تعالى مثل ( إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُم رَقِيباً ) ونحن نعلم أن " كان " تفيد الماضي ، والغريب أنها تُترجم إلى الإنجليزية على أنها في المضارع وليس في الماضي ، فما توجيهكم لهذا ؟ .
الحمد لله
لفظة " كان " لا تدل دائماً على الماضي المنقطع ، وإن كان هذا هو المشهور الغالب في
استعمالها ، وقد جاء ذِكرها في كلام العرب وفي كتاب الله تعالى بمعنى " لم يزل "
وهي تدل بذلك على " الاستمرارية " لا الانقطاع ، ومنه قوله تعالى ( وَكَانَ
الإِنسَانُ عَجُولاً ) الإسراء/ 11 ، فهل يعني ذلك انقطاعه عن الإنسان ؟! ، ومنه
قوله تعالى ( إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا ) الإسراء/
53 ، فهل انقطعت عداوة الشيطان للإنسان وكانت في فقط في زمن مضى ؟! ، وأولى ما
يتعيَّن هذا المعنى فيه هو فيما إذا جاءت في سياق أسماء الله تعالى وصفاته .
روى البخاري في صحيحه
(6/127) : عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ:
" إِنِّي أَجِدُ فِي القُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ .... وَقَالَ:
وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: 96] ، عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:
56] ، سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء: 58] فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى؟ " .
فأجاب ابن عباس رضي الله عنه عن مسائله ، فقال فيها :
" وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: 96] سَمَّى نَفْسَهُ ذَلِكَ،
وَذَلِكَ قَوْلُهُ ؛ أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ
شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ، فَلاَ يَخْتَلِفْ عَلَيْكَ
القُرْآنُ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ " انتهى.
قال أبو حيان الأندلسي – رحمه الله - : " ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدًا ) فـ " كان " تدل على اقتران مضمون الجملة بالزمن الماضي ، وهو تعالى متصف بهذا الوصف ماضياً وحالاً ومستقبلاً ، وتقييد الفعل بالزمن لا يدل على نفيه عن غير ذلك الزمن " انتهى من " تفسير البحر المحيط " ( 5 / 487 ) .
وقال السيوطي – رحمه الله - : " تختص كان بمرادفة " لم يزل " كثيراً ، أي : أنها تأتي دالة على الدوام ، وإن كان الأصل فيها أن يدل على حصول ما دخلت عليه فيما مضى ، مع انقطاعه عند قوم ، وعليه الأكثر - كما قال أبو حيان - ، أو سكوتها عن الانقطاع وعدمه عند آخرين - وجزم به ابن مالك - ، ومن الدالّة على الدوام : الواردة في صفات الله تعالى نحو ( وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ) النساء/ 134 ، أي : لم يزل متصفا بذلك " انتهى من " همع الهوامع " ( 1 / 437 ، 438 ) .
وقال محيي الدين درويش –
رحمه الله - : " " كان " في القرآن على خمسة أوجه :
1. بمعنى الأزل والأبد نحو ( وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ) النساء/ 17 ،
وغيرها .
2. بمعنى المضيّ المنقطع نحو ( وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ ) النمل/
48 .
3. بمعنى الحال نحو ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ) آل عمران/ 110 .
4. بمعنى الاستقبال نحو ( وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا )
الإنسان/ 7 .
5. بمعنى صار نحو ( وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) البقرة/ 34 ، ص/ 74 " انتهى من "
إعراب القرآن وبيانه " ( 10 / 318 ) .
ومن العلماء من يرى أن لفظة
" كان " في مثل السياقات السابقة تكون مسلوبة الزمن ، وهي تدل بذلك على تحقيق ما
جاءت في سياقه .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - : " ثم قال ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ
سَمِيعًا بَصِيرًا ) ، وقوله ( كَانَ ) هذه فعل ، لكنها مسلوبة الزمن ، فالمراد بها
: الدلالة على الوصف فقط ، أي : أن الله متصف بالسمع والبصر ، وإنما قلنا : إنها
مسلوبة الزمن لأننا لو أبقيناها على دلالتها الزمانية لكان هذا الوصف قد انتهى ،
كان في الأول سميعًا بصيرًا أما الآن فليس كذلك ، ومعلوم أن هذا المعنى فاسد باطل ،
وإنما المراد : أنه متصف بهذين الوصفين " السمع " و " البصر " على الدوام ، و ( كان
) في مثل هذا السياق يراد به التحقيق " انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (
8 / 172 ) .
فصار معنى مثل تلك الآيات أن الله تعالى كان ولا يزال متصفاً بتلك الصفات ، وأن دلالة الكلمة على الفعل الماضي لا يمنع دلالتها على الحاضر والمستقبل ، أو يقال : هي مسلوبة الزمن في هذه السياقات والمراد بها تحقيق الصفات .
وتبين مما سبق ذِكره ونقله
أن ترجمة الفعل " كان " إلى المضارع صحيح لا وجه للاعتراض عليه وأن ترجمتها بالماضي
لمن لا يفقه لغة العرب هو الذي يوقع في الإشكال .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |