عنوان الفتوى : تفسير: ومن الليل فتهجد به نافلة لك..
ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ـ هل في هذا خصوصية للرسول صلى الله عليه وسلم فقط؟ وهل ركعتا قيام بالليل تعتبر نافلة؟ أم قيام الليل غير تلك النافلة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
في هذه الآية الكريمة أمر الله سبحانه وتعالى النبي صلى الله عليه وسلم بالتهجد، وهو التنفل بعد نوم الليل قيل على سبيل الوجوب أي أن قيام الليل واجب عليه دون الأمة، لكرامته على الله، وجعل وظيفته أكثر من غيره، وهذا أحد قولي العلماء وهو من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وقيل أمره بصلاة الليل نافلة، لتكون زيادة له في علو قدره، ورفع درجاته بخلاف غيره، فإنها تكون كفارة لسيئاته، وهذا خاص به صلى الله عليه وسلم أيضا، كما أنه مخصوص بالمقام المحمود يوم القيامة، قال ابن كثير في تفسيره: قوله: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ ـ أمر له بقيام الليل بعد المكتوبة، كما ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل: أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال: صلاة الليل ـ ولهذا أمر تعالى رسوله بعد المكتوبات بقيام الليل، فإن التهجد: ما كان بعد نوم، قاله علقمة، والأسود وإبراهيم النخعي، وغير واحد وهو المعروف في لغة العرب، وكذلك ثبتت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كان يتهجد بعد نومه، عن ابن عباس، وعائشة، وغير واحد من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كما هو مبسوط في موضعه، ولله الحمد والمنة، وقال الحسن البصري: هو ما كان بعد العشاء، ويحمل على ما بعد النوم، واختلف في معنى قوله: نَافِلَةً لَكَ ـ فقيل: معناه أنك مخصوص بوجوب ذلك وحدك، فجعلوا قيام الليل واجبًا في حقه دون الأمة، رواه العوفي عن ابن عباس، وهو أحد قولي العلماء، وأحد قولي الشافعي ـ رحمه الله ـ واختاره ابن جرير، وقيل: إنما جعل قيام الليل في حقه نافلة على الخصوص، لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وغيرهُ من أمته إنما يكفر عنه صلواته النوافل الذنوب التي عليه، قاله مجاهد، وهو في المسند عن أبي أمامة الباهلي ـ رضي الله عنه ـ وقوله: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ـ أي: افعل هذا الذي أمرتك به لنقيمك يوم القيامة مقاما يحمدك فيه الخلائق كلهم وخالقهم تبارك وتعالى، قال ابن جرير: قال أكثر أهل التأويل: ذلك هو المقام الذي يقومه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة للشفاعة للناس، ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم. انتهى.
وقال السعدي في تفسيره: وقوله: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ ـ أي: صل به في سائر أوقاته: نَافِلَةً لَكَ ـ أي: لتكون صلاة الليل زيادة لك في علو القدر، ورفع الدرجات، بخلاف غيرك، فإنها تكون كفارة لسيئاته، ويحتمل أن يكون المعنى: أن الصلوات الخمس فرض عليك وعلى المؤمنين، بخلاف صلاة الليل، فإنها فرض عليك بالخصوص، ولكرامتك على الله، أن جعل وظيفتك أكثر من غيرك، وليكثر ثوابك، وتنال بذلك المقام المحمود، وهو المقام الذي يحمده فيه الأولون والآخرون، مقام الشفاعة العظمى، حين يتشفع الخلائق بآدم، ثم بنوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، وكلهم يعتذر ويتأخر عنها، حتى يستشفعوا بسيد ولد آدم ليرحمهم الله من هول الموقف وكربه، فيشفع عند ربه فيشفعه، ويقيمه مقامًا يغبطه به الأولون والآخرون، وتكون له المنة على جميع الخلق. انتهى.
وانظر الفتوى رقم :76679.
ثم إن خصوصيته صلى الله عليه وسلم في حكم قيام الليل لا تعني أن غيره لا يطالب به، بل هو سنة لكل مسلم، فقد واظب عليها صلى الله عليه وسلم ورغب فيها وتابعه في ذلك سلف الأمة، وانظر الفتوى رقم: 70129.
أما عن الجزء الأخير من السؤال: فإن النافلة تطلق على ما سوى الفرائض من الصلوات وغيرها، فقيام الليل من النافلة وسنن الصلاة القبلية والبعدية من النافلة، ولبيان ما يحصل به أصل قيام الليل انظر الفتوى رقم: 172901.
والله أعلم.