عنوان الفتوى : العلاج الشرعي لحالة ضيق النفس والشكوك
س: يقول سائل في رسالة طويلة ما ملخصها: إني أعيش الآن في حالة بؤس وشقاء، وقد عشت بفضل من الله قبل أربع سنوات في سعادة وطمأنينة، كنت مقبلا على الله، محتسبا كل شيء لله، قائما صائما داعيا إلى الله. كان قلبي يتقطع غيرة على المسلمين وأوضاعهم حتى شاركت في الجهاد الأفغاني، وعاهدت الله هناك على ألا أعود حتى يتم النصر، ولكن ضعفت وعدت في شهرين بعد إصرار والدي على رجوعي. ثم تغيرت حياتي حتى أصبت بشكوك في وجود الله وصحة القرآن والرسول، دافعت ذلك، وبحثت في أشرطة وكتب للشيخ الزنداني وظهر لي الحق كالشمس، ولكن مع ذلك تتعاودني وساوس وشكوك. والداهية الكبرى أن خشية ربي لم أعد أجد لها في قلبي موضعا! وأنا أستغفر الله، وهذه الحالة معي: حوالي سنة ونصف أعانيها. وما تركت شيئا يوصلني لليقين وطرد تلك الشكوك، ولكن دون جدوى ولو استقر الحق في قلبي قليلا فلا ألبث إلا عدت إلى ما كنت عليه. كنت أصوم أيام البيض وأتهجد ولا زلت إلى الآن، ولكن لا أشعر بلذة. وقد بعت سيارتي وتبرعت بقيمتها في سبيل الله؛ لعل الله أن يردني إليه ردا جميلا، وكل يوم أجد نفسي أردى من اليوم السابق. اتجهت إلى القرآن أقرأ كل يوم جزءا بتدبر ولكن لا أجد يقينا ولا تأثيرا في قلبي إلا قليلا، وأجد قسوة رهيبة في قلبي وحجابا وغشاوة عن الحق، وأخشى من غضب الله علي فيما ارتكبت، ولا أنسى أن أذكر أني منذ فترة أتبرع بحوالي ربع راتبي في سبيل الله وأكفل أيتاما ولا زلت، ولا أتعظ بالمواعظ مثل السابق، وأتهم نفسي بالفسق والفجور، وأحيانا بالكفر، وإني ما تركت وسيلة ولا موعظة إلا حاولت فيها، ولكن الشكوك والريب والوساوس تمحقني ولم أستطع التخلص منها. فيا شيخي وحبيبي: أنت الأمل الوحيد بعد الله سبحانه في هذه الدنيا، وسوف لا أشكو حالي إلى أحد بعدك مهما بلغ، هل لي حل وعلاج لما أعانيه مما ذكرت؟ وسوف أستعين بالله سبحانه وأنفذ أمرك -إن شاء الله- وأرجو أن تدعو لي في ظلام الليل أن يدركني ربي برحمته ويردني إليه ردا جميلا، وجزاكم الله خير الجزاء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ابنك المعذب - من خميس مشيط.
ج: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فقد قرأت جميع رسالتك، وكدرني كثيرًا ما أصابك من الشك والوساوس، وأسأل الله أن يمنحك الهداية والرجوع إلى الحق، وأن يعم قلبك بالإيمان الصحيح، وأن يمن عليك بالتوبة النصوح، ويعيذك من نزغات الشيطان، إنه جواد كريم.
وقد وقع لبعض الصحابة مثل ما وقع لك من الشك، في بعض ما يتعلق بالله سبحانه، فأوصاهم النبي ﷺ أن يقول من أحس بشيء من ذلك: آمنت بالله ورسله وأن يستعيذ بالله وينتهي، فأنا أوصيك بما أوصى به النبي ﷺ أصحابه، وأن تقول هذه الكلمات عند خطرة أي شك: آمنت بالله ورسله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم..
وأوصيك بالثبات على ذلك وتكراره عند كل خاطر سيئ، كما أوصيك بعدم اليأس من رحمة الله وعدم القنوط، وعليك بالإكثار من قراءة القرآن الكريم وتدبر معانيه، والضراعة إلى الله بصدق ورغبة ورهبة أن يهديك للحق، وأن يكشف عنك هذه الوساوس.
وأكثر من ذلك في السجود، وفي آخر الليل وبين الأذان والإقامة، وأحسن ظنك بالله فهو القائل سبحانه فيما رواه عنه نبيه محمد ﷺ: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني وفي اللفظ الآخر: إذا ذكرني وعليك بصحبة الأخيار، واحذر صحبة الأشرار.
وفقنا الله وإياك لما يرضه، وسلك بنا وبك صراطه المستقيم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته[1].
--------------------