عنوان الفتوى : الخلاف في تحريم المعازف خلاف ضعيف جدا فلا يلتفت إليه
لماذا أجد اختلافًا في الفتوى بشأن الموسيقى؟ فأحيانًا أجدها حرامًا في بعض المواقع وعند بعض الشيوخ، وعند آخرين أجدها حلالًا بشروط؟ وهل الخلاف فيها سائغ أم لا؟ وهل يحاسب الرجل إذا أخذ بأحد الآراء؟ وقد وجدت من يقول إن استخدام البعض لها هو تحقق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الناس سيستحلون المعازف، فكيف يستحلون المعازف ولم يستحلوا ما قبلها وهو الزنا والحرير والخمر؟ وأعتذر عن الإطالة، وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخلاف في تحريم المعازف وآلات اللهو الموسومة بالموسيقى خلاف ضعيف جدا فلا التفات إليه ولا تعويل عليه، ولذا ذكر شيخ الإسلام أن أحدا من أتباع الأئمة لم يحك في تحريم آلات اللهو خلافا، فالقول بإباحة آلات اللهو قول شاذ وليس الخلاف في هذه المسألة من الخلاف السائغ، قال الحافظ زين الدين ابن رجب ـ رحمه الله: وأما استماع آلات الملاهي المطربة المتلقاة من وضع الأعاجم، فمحرم مجمع على تحريمه، ولا يعلم عن أحد منهم الرخصة في شيء من ذَلِكَ، ومن نقل الرخصة فيه عن إمام يعتد به فقد كذب وافترى. انتهى.
وانظر مزيد البيان في الفتوى رقم: 150349.
فمن استباح آلات اللهو بغير تأويل بعد البيان وإقامة الحجة ووضوح المحجة فهو متعرض للوعيد، وأما الاستحلال المذكور فقد نقل الحافظ عن القاضي ابن العربي قوله في معناه: يحتمل أن يكون الْمَعْنَى يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ حَلَالا، وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك مَجَازًا عَلَى الِاسْتِرْسَالِ أَيْ يَسْتَرْسِلُونَ فِي شُرْبِهَا كَالِاسْتِرْسَالِ فِي الْحَلَالِ، وَقَدْ سَمِعْنَا وَرَأَيْنَا مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ. انتهى.
فقد صرح القاضي أبو بكر ـ رحمه الله ـ بأن الاستحلال بالمعنى الثاني قد حصل في زمانه فكيف بزماننا، وكذا على المعنى الأول فقد وجد ممن ينتسبون إلى الإسلام ويتسمون بأسماء المسلمين من يستحل المحرمات المقطوع بتحريمها ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولو أن شيئا من ذلك لم يكن فإنه كائن ولا بد كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، لكن ينبغي أن يتنبه إلى أن استحلال هذه المحرمات المذكورة في الحديث ليس على درجة واحدة، فإن استحلال الخمر والزنى من الكفر بالله تعالى، لأنها قطعية التحريم وتحريمها مما علم من الدين بالضرورة، وأما استحلال الحرير والمعازف فقد يقع من بعض العلماء لشبهات تعرض لهم وتأويلات باطلة مردودة فلا يتابعون عليها، بل تكون هذه من الزلات التي يرجى لصاحبها أن يغفر الله له، ولذا قال القاري في المرقاة في شرح حديث: ليكونن من أمتي الحديث: والمعنى يعدون هذه المحرمات حلالات بِإِرَادَاتِ شُبُهَاتٍ وَأَدِلَّةٍ وَاهِيَاتٍ، مِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنْ أَنَّ الْحَرِيرَ إِنَّمَا يَحْرُمُ إِذَا كَانَ مُلْتَصِقًا بِالْجَسَدِ، وَأَمَّا إِذَا لُبِسَ فَوْقَ الثِّيَابِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، فَهَذَا تَقْيِيدٌ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ نَقْلِيٍّ وَلَا عَقْلِيٍّ، وَلِإِطْلَاقِ كَلَامِ الشَّارِعِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ ـ وَكَثِيرٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْعَوَامِّ إِذَا قِيلَ لَهُمْ: لُبْسُ الْحَرِيرِ حَرَامٌ يَقُولُونَ: لَوْ كَانَ حَرَامًا لَمَا لَبِسَهُ الْقُضَاةُ وَالْعُلَمَاءُ الْأَعْلَامُ، فَيَقَعُونَ فِي اسْتِحْلَالِ الْحَرَامِ، وَكَذَلِكَ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ تَعَلُّقَاتٌ بِالْمَعَازِفِ يَطُولُ بيانها. انتهى.
والله أعلم.