عنوان الفتوى : توضيح حول تفضيل الصلاة على الذكر
أفتيتم أن الصلاة أفضل من الذكر في كل الحالات، ولكن هذه الأحاديث تدل على أفضلية الذكر على غيره من الأعمال. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الورق والذهب، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربون أعناقهم ويضربون أعناقكم قالوا وما ذاك يا رسول الله ؟ قال ذكر الله عز و جل دائما. وقال صلى الله عليه وسلم: سبق المفردون الذاكرون الله كثيرا. وقوله صلى الله عليه وسلم: ما عمل ابن آدم عملا أنجى من عذاب الله من ذكر الله. و سئل النبي صلى الله عليه و سلم أي الأعمال أفضل ؟ قال : أن تموت يوم تموت ولسانك رطب من ذكر الله تعالى. وغيرها من الأحاديث.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي قال إن خير الأعمال الصلاة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه ابن ماجه وغيره من حديث ثوبان رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة. ولا تعارض البتة بين فضل الصلاة وفضل الذكر، بل إنما فضلت الصلاة لاشتمالها على الذكر وغيره من العبادات، ولذا كانت قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الزرقاني: (وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ) أَيْ إِنَّهَا أَكْثَرُ أَعْمَالِكُمْ أَجْرًا، فَلِذَا كَانَتْ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ لِجَمْعِهَا الْعِبَادَاتِ كَقِرَاءَةٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ وَإِمْسَاكٍ عَنْ كَلَامِ الْبَشَرِ وَالْمُفْطِرَاتِ، هِيَ مِعْرَاجُ الْمُؤْمِنِ وَمُقَرِّبَتُهُ إِلَى اللَّهِ فَالْزَمُوهَا وَأَقِيمُوا حُدُودَهَا. انتهى.
وقد بين الله تعالى بعض ما في الصلاة من المصالح العظيمة ومن أجلها اشتمالها على ذكره تعالى فقال سبحانه: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ {العنكبوت:45}، أي وما تشتمل عليه الصلاة من الذكر أكبر من نهيها عن الفحشاء والمنكر.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وَتَشْتَمِلُ الصَّلَاةُ أَيْضًا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْمَطْلُوبُ الْأَكْبَرُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ أَيْ أَعْظَمُ مِنَ الْأَوَّلِ. وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ. أي يعلم جميع أعمالكم وأقوالكم. وقال أبو العالية في قوله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ قَالَ: إِنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا ثَلَاثُ خِصَالٍ، فَكُلُّ صَلَاةٍ لا يكون فيها شيء من هذه الخصال فَلَيْسَتْ بِصَلَاةٍ: الْإِخْلَاصُ، وَالْخَشْيَةُ، وَذِكْرُ اللَّهِ، فَالْإِخْلَاصُ يَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْخَشْيَةُ تَنْهَاهُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَذِكْرُ الله الْقُرْآنِ يَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ. وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ الْأَنْصَارِيُّ: إِذَا كُنْتَ فِي صَلَاةٍ، فَأَنْتَ فِي مَعْرُوفٍ، وَقَدْ حَجَزَتْكَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَالَّذِي أَنْتَ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أَكْبَرُ. انتهى.
فالمشتغل بالصلاة ذاكر لله ولا شك محصل الأجر العظيم المرتب على الذكر الوارد في هذه النصوص وغيرها، فضلا عن تحصيله للمصالح العظيمة التي تشتمل عليها الصلاة سوى الذكر ناهيك عن أجر الصلاة وثوابها.
والله أعلم.