عنوان الفتوى : أجدر المستحقين للخلافة بعد عمر رضي الله عنه
قرأت كتاب الفتنة بين الصحابة للشيخ محمد حسان، واستفدت منه كثيرا والحمد لله، ولكني وجدت عبارة في الكتاب تقول:"ويمكن القول بأن عليا رضي الله عنه كان بلا نزاع أقوى المرشحين للإمامة بعد قتل عمر" فكيف يمكن أن أفهم هذه العبارة مع علمكم أن عثمان رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين كان الخليفة الثالث, وعلى جمال هذا الكتاب وأدبه في التعاطي مع موضوع الفتنة بين الصحابة، وعلى الرغم من الاستفادة الكبيرة التي استفدتها إلا أنه لم يشف غليلي في معرفه بعض التفاصيل. فأرجو من سيادتكم بعد أن توضحوا لي المقصود بالعبارة أن تحيليوني إلى كتب أخرى لأهل السنة والجماعة تتكلم عن الفتنة بين الصحابة بتفاصيلها الصحيحة.ملاحظة: أنا أفهم أن التعاطي مع هذا الموضوع من منطلق قول الله تعالى: تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ماكسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون" وكما يقول أهل العلم تلك فتنة قد سلمت منها أيدينا فلتسلم منها ألسنتنا، وعند الله تجتمع الخصوم، والصحابة كلهم عدول شهد الله لهم بالجنة وهم يمشون على الأرض رضي الله عنهم جميعا، ولكني أود الاستزادة من هذا الموضوع ليطمئن قلبي بالروايات الصحيحة والأدلة القاطعة، وللدفاع عن الصحابة الكرام لا سيما أنني أعيش في بلد يتكلم فيه البعض عن بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كمعاوية رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على هذا الكتاب المذكور لنحكم بدقة على عبارة كاتبه من خلال السياق، ويمكن أن يكون مراده أن عليا -رضي الله عنه- كان أقوى المرشحين للخلافة مع عثمان -رضي الله عنهما- وهذا حق، فإن أمر الستة الذين جعل عمر -رضي الله عنه- الأمر فيهم انحصر في علي وعثمان رضي الله عنهما، وأما أن يكون علي رضي الله عنه أولى بالأمر من عثمان وأحق بالخلافة منه فهذا خطأ. بل لا ريب في أن عثمان عليه الرضوان هو الأحق بالخلافة باتفاق المهاجرين والأنصار الذين شاورهم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ثبت بِالنَّقْلِ الصَّحِيحِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا جَعَلَ الْخِلَافَةَ شُورَى فِي سِتَّةِ أَنْفُسٍ: عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَسَعْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ وَكَانَ مِنْ بَنِي عَدِيٍّ - قَبِيلَةِ عُمَرَ - وَقَالَ عَنْ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: يَحْضُرُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْأَمْرِ شَيْءٌ، وَوَصَّى أَنْ يُصَلِّيَ صهيب بَعْدَ مَوْتِهِ حَتَّى يَتَّفِقُوا عَلَى وَاحِدٍ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ عُمَرُ وَاجْتَمَعُوا عِنْدَ الْمِنْبَرِ. قَالَ طَلْحَةُ: مَا كَانَ لِي مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَهُوَ لِعُثْمَانِ. وَقَالَ الزُّبَيْرُ: مَا كَانَ لِي مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَهُوَ لِعَلِيِّ. وَقَالَ سَعْدٌ مَا كَانَ لِي مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَهُوَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. فَخَرَجَ ثَلَاثَةٌ وَبَقِيَ ثَلَاثَةٌ. فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: يَخْرُجُ مِنَّا وَاحِدٌ وَيُوَلِّي وَاحِدًا فَسَكَتَ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَنَا أَخْرُجُ. وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ أَنْ يُوَلِّيَ أَفْضَلَهُمَا. ثُمَّ قَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا: يُشَاوِرُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَيُشَاوِرُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ؛ وَيُشَاوِرُ أُمَرَاءَ الْأَمْصَارِ - فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِي الْمَدِينَةِ حَجُّوا مَعَ عُمَرَ وَشَهِدُوا مَوْتَهُ - حَتَّى قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إنَّ لِي ثَلَاثًا مَا اغْتَمَضْت بِنَوْمِ. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ لِعُثْمَانِ: عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ إنْ وَلَّيْتُك لَتَعْدِلَنَّ وَلَئِنْ وَلَّيْت عَلِيًّا لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَقَالَ لِعَلِيِّ: عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ إنْ وَلَّيْتُك لَتَعْدِلَنَّ وَلَئِنْ وَلَّيْت عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: إنِّي رَأَيْت النَّاسَ لَا يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانِ. فَبَايَعَهُ عَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَسَائِرُ الْمُسْلِمِينَ: بَيْعَةَ رِضًى وَاخْتِيَارٍ مِنْ غَيْرِ رَغْبَةٍ أَعْطَاهُمْ إيَّاهَا وَلَا رَهْبَةٍ خَوَّفَهُمْ بِهَا. وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْهُمْ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ. فَلِهَذَا قَالَ أَيُّوبُ وَأَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَالدَّارَقُطْنِي: مَنْ قَدَّمَ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ فَقَدْ أَزْرَى بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُثْمَانُ أَحَقَّ بِالتَّقْدِيمِ وَقَدْ قَدَّمُوهُ كَانُوا إمَّا جَاهِلِينَ بِفَضْلِهِ وَإِمَّا ظَالِمِينَ بِتَقْدِيمِ الْمَفْضُولِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ دِينِيٍّ. وَمَنْ نَسَبَهُمْ إلَى الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ فَقَدْ أَزْرَى بهم. انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله.
وأما مسألة الفتنة فقد صنفت في تجلية أمرها مصنفات عديدة، من أشهرها كتاب العواصم من القواصم للقاضي أبي بكر بن العربي المالكي رحمه الله، ومن أمثلها فيما وقفنا عليه كتاب تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة للدكتور محمد أمحزون. فإنه أثابه الله بذل جهدا مشكورا في تحرير هذه المسألة على وفق طريقة السلف. وكذا يراجع ما كتبه الشيخ الدكتور علي الصلابي في كتابه عن عثمان وكتابه عن علي رضي الله عنهما، وكتابه عن الدولة الأموية ففي هذه الكتب نفع كثير بإذن الله.
والله أعلم.