عنوان الفتوى : حقيقة شكر النعم

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

بسم الله الرحمن الرحيم يتعبني التفكير ياشيخ ...في كل مرة يأتيني التفكير نفسه. قبل سنتين مرت فترة ظلم علي كسرتني نفسيا وجسديا. ولكني اعتبرتها تكفير لأشياء كنت أفعلها من زمان واقتربت من ربنا أكثر، وبدأت أموري تتيسر بشكل كبير جدا، وكل مرة أسجد شكرا لله. وللأسف أصبحت كل ما تتيسر الأمور كل ما ابتعدت من ربنا، الصلاة أقطعها، صلاة الليل أوقفتها. كيف تبعدني النعم عن الله؟؟..وكل مرة أسأل نفسي كيف ربنا يعطيني وأنا بعيدة عنه؟ فيبدأ الخوف يسكني قد يكون هذا إمهال وربنا ينتقم مني، وأجلس طول الوقت أفكر متى ربنا يعاقبني، وهذا التفكير يقتلني كيف أني مقتنعة أن ربنا أرحم الراحمين، وكيف أخاف أن يعاقبني في أي لحظة ويخسف بي الأرض. أصبحت أخاف من أي كلمة أقولها ومن كل شي أفعله أو حتى أفكر فيه. للأسف صلاة ما أقدر أقوم أصليها ..أصلي الصبح فقط ..إنما لو نتكلم عن رحمة وكرم وخير ربنا تجد عندي خير الكلام، وأنصح صديقاتي وأذكرهم برحمة وكرم الله ..كيف هذا؟؟ أنا بعيدة عن ربنا وبنفس الوقت دائمة الشكر والاستغفار.. مؤمنة أنه أرحم الراحمين وبنفس الوقت أخاف منه ولا أواظب على الصلاة ..أي تناقض أعيشه ..أي نفاق أنا فيه؟؟هل أطلب الابتلاء والظلم حتى أرجع كما كنت؟؟ هل أطلب تعسير الأمور حتى أكون أقرب لربي؟؟ كل مرة أدعو يارب امنحني النعم حتى أشكر. نعم، أنا الآن في نعم. أشكر وأحمد الله وأستغفر دوما لكن لا أصلي بانتظام !! حتى الآن وأنا أكتب لكم ضميري يوجعني. كيف أسيء الظن بربي وأكتب الذي كتبته؟؟

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فإذا كان الله قد أنعم عليك كما تذكرين فإن شكر هذه النعم لا يكون باللسان فقط، بل لا يكون شكر النعم إلا بصرفها في مرضاة المنعم تبارك وتعالى وعدم التعرض لمساخطه بصرفها في معاصيه.

قال القرطبي رحمه الله: وسئل بعض الصلحاء عن الشكر لله؟ فقال: ألا تتقوى بنعمه على معاصيه. فحقيقة الشُّكْرِ عَلَى هَذَا الِاعْتِرَافِ بِالنِّعْمَةِ لِلْمُنْعِمِ. وَأَلَّا يَصْرِفَهَا فِي غَيْرِ طَاعَتِهِ، وَأَنْشَدَ الْهَادِي وَهُوَ يَأْكُلُ:

أَنَالَكَ رِزْقَهُ لِتَقُومَ فِيهِ ... بِطَاعَتِهِ وَتَشْكُرَ بَعْضَ حَقِّهِ

فَلَمْ تَشْكُرْ لِنِعْمَتِهِ وَلَكِنْ ... قَوِيتَ عَلَى مَعَاصِيهِ بِرِزْقِهِ. انتهى.

فاحذري بطش الله ونقمته، واعلمي أنه تعالى قد يمهل عبده لحكمته البالغة ولكن إذا غضب لم يقم لغضبه شيء، واحذري أن يسلبك ما أنت فيه من النعم كما قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (الأنفال:35) .

قال ابن القيم رحمه الله: يا مكرما بحلة الْإِيمَان بعد حلَّة الْعَافِيَة وَهُوَ يخلقهما فِي مُخَالفَة الْخَالِق لَا تنكر السَّلب. يسْتَحق من اسْتعْمل نعْمَة الْمُنعم فِيمَا يكره أَن يسلبها. انتهى.

فإذا علمت ما مر وكنت تستشعرين في نفسك هذا التناقض فإن باب التوبة مفتوح لا يغلق في وجه تائب، ورحمة الله تعالى وسعت كل شيء، فأقبلي على ربك خائفة راجية وجددي عهدك مع الله تعالى على الاستقامة على شرعه والالتزام بدينه، واعلمي أن هذا هو سبيل سعادتك وفلاحك في دنياك وأخراك، واعلمي أن خطر إضاعة الصلاة عظيم جدا، وأن تارك الصلاة يعرض نفسه لسخط الله وعقوبته العاجلة والآجلة وأنه شر من الزاني والسارق وشارب الخمر وقاتل النفس عياذا بالله، وانظري الفتوى رقم: 130853 .

فأي بلية ومصيبة أعظم من أن يبتلى العبد بمثل هذا، فلا تتمني البلاء ولكن اسألي الله العافية في دينك ودنياك، ولتكن عافية الدين أحب إليك وآثر عندك من عافية الدنيا فإن الدنيا زائلة عن أهلها غير باقية لأحد. والآخرة خير وأبقى. وأنت طبيبة نفسك والأدرى بكيفية علاجها، فاحمليها على طاعة الله حملا وبالغي في مجاهدتها وإن تأبت واستعصت، فإن الله سيعينك عليها وتبلغين مرادك من تعويدها الطاعة وتجنيبها المعصية إذا بذلت وسعك في المجاهدة كما قال عز وجل: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت:69).  وعليك بصحبة الصالحين فإنها من أعون الأمور على الاستقامة، واجتهدي في الدعاء بأن يثبت الله قلبك على دينه ويصرف قلبك على طاعته.

والله أعلم.