عنوان الفتوى : الحكمة من حصر الطلاق في ثلاث
لا أدري لماذا لا يسمح الإسلام بأن يتزوج الرجل زوجته من جديد إذا طلّقها ثم أراد إرجاعها؟! فالقرأن ينص على أنها يجب أن تتزوج رجلاً أخر أولاً..ثم بعد ذلك فقط يمكن للزوج الأول أن يتزوجها.. إن ذلك لا يبدوا منطقياً بالنسبة لي، بل أراه قاسياً..
الحمد لله
الواجب على العبد أن يمتثل أمر الله تعالى ، ويوقن بأنه أحكم الحاكمين ، جل علا ،
لا رادّ لأمره ، ولا معقب لحكمه ، وأحكامه كلها فيها الحكمة والخير والمصلحة
(وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة/50 ، لأنه
سبحانه الخالق لعباده ، فهو أعلم بما يصلحهم ، وهو سبحانه غني عن عباده ، منزه عن
الظلم ، رحيم بالخلق ، ومن كان كذلك كانت أحكامه في غاية العدل والحكمة والرحمة .
والعبد قد يعلم الحكمة من الأمر والنهي ، وقد يجهل ذلك ، لكنه مأمور بالامتثال في
جميع الأحوال ، لأن هذا شأن العبد الضعيف المملوك ، مع الرب القادر المالك ، فإذا
نازع خالقه في الحكمة ، خرج عن حد الإيمان والعبودية ، كما قال تعالى : ( وَمَا
كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ
يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ) الأحزاب/36 ، وقال سبحانه : ( فَلَا وَرَبِّكَ
لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا
فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء/65 .
ولا يُمنع العبد من السؤال والبحث عن الحكمة ليزداد إيمانه ويقينه .
ومن تأمل مسألة الطلاق أيقن برحمة الله وحكمته ، فإن
الطلاق فيه كسر للمرأة وإيذاء لها ، ولهذا شدد فيه الشارع وضيق أمره حتى لا يتساهل
الناس فيه .
ولو كان الزوج كلما طلق امرأته أمكنه أن يعقد عليها ويراجعها ، لطلق الزوج امرأته
عشرات المرات ، وفي كل مرة يؤذيها ويكسر قلبها ، ثم يتدخل أهل الصلح بينهما أو تشفق
المرأة على أولادها فتعود إلى زوجها ، وفي ذلك ظلم ظاهر لها .
فإذا علم الزوج أن الطلقة الثالثة تُبين زوجته منه ، بحيث لا يمكنه العودة إليها
إلا بعد زواجها من آخر يموت عنها أو يطلقها وقد لا يموت ولا يطلق ، كان متهيبا من
الطلاق ، مبتعدا عنه ، لا يقدم عليه إلا عند الضرورة أو الحاجة الماسة . وفي هذا
رحمة بالزوجة ، وحفظ للأسرة ، ومنع من التساهل والتلاعب .
وهناك حكمة أخرى ، وهي أن الرجل ربما تسرع فطلق المرة
الأولى ، ثم ندم فراجع زوجته ، فإذا طلق الثانية كان ذلك عن بصيرة ومعرفة ، فإذا
طلق الثالثة كان ذلك – في الغالب- دليلا على عدم استقامة الحياة بينهما ، فلا وجه
للتمادي في هذه الحياة التعسة ، ولعل في فراقهما فسحة ورحمة لكل منهما ، كما قال
تعالى : ( وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ
اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ) النساء/130
ومن كلام أهل العلم في حكمة جعل الطلاق ثلاثا :
قال الطاهور بن عاشور رحمه الله :
"وحكمة هذا التشريع العظيم : ردع الأزواج عن الاستخفاف بحقوق أزواجهم ، وجعلهن
لُعباً في بيوتهم ، فجعل للزوج الطلقة الأولى هفوة ، والثانية تجربة ، والثالثة
فراقاً ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث موسى والخضر : (فَكَانَتْ
الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَاناً ، وَالثَّانِيَة شَرْطاً والثَّالثَةُ عَمْداً ،
فَلذلك قال له الخضر في الثالثة : (هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنك) الكهف/78"
انتهى من "التحرير والتنوير" (2/415) .
وقال ابن الهمام الحنفي رحمه الله : " لأن النفس كذوبة ربما تظهر عدم الحاجة إليها أو الحاجة إلى تركها وتسوّله ، فإذا وقع حصل الندم وضاق الصدر به وعيل الصبر ، فشرعه سبحانه وتعالى ثلاثاً ليجرب نفسه في المرة الأولى ، فإن كان الواقع صدقها استمر حتى تنقضي العدة وإلا أمكنه التدارك بالرجعة ، ثم إذا عادت النفس إلى مثل الأول وغلبته حتى عاد إلى طلاقها نظر أيضا فيما يحدث له ، فما يوقع الثالثة إلا وقد جرب وفَقُهَ في حال نفسه ، وبعد الثلاث تبلى الأعذار" انتهى من "شرح فتح القدير" (3/465) .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |