عنوان الفتوى : توضيح حول رواية الزهري بشأن انقطاع الوحي وموقف سيد المرسلين
أود أن أحيطكم علما أن هناك خطئا يذكر عن السيرة النبوية العطرة في باب فتور الوحي وذلك في الحديث القائل: فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم فتر عنه الوحي بعد نزول الآيات الأولى من سورة العلق ومقابلته لورقة بن نوفل، كما في صحيح البخاري فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع ـ فأنتم تقولون بهذا الحديث الموصول الكاذب للزهري أنه بعد فتور الوحي قد أراد النبي الانتحار وحاشا لله أن يفعل نبينا ذلك ولقد تأكدت بنفسي من خطئه وذلك بالرجوع لسيرة ابن هشام وغيرها وأن هذا الكلام كذب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهوالمعصوم من الخطإ وأن الله سبحانه كيف يبعث برسول يرتاب من رسالته بعد وحي الله له ولقد أفتيتم في سؤال لأحد الناس رقم الفتوى: 9240ـ وكان
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على غيرتك واتصالك وقد بينا رد ما روى الزهرى في الفتوى رقم: 158281.
وأما ما ذكرته من الإشفاق فهو مبني على الرواية التي بينا ردها، وأما البداء في العلم والإرادة، فلا تجوز نسبته إلى الله وليس هناك تغيير فيما كتب في اللوح المحفوظ ولكن ما يوجد في الصحف التي عند الملائكة قد يتغير فيمحو الله منه ما يشاء ويثبت ما يشاء، قال العلامة السعدي: يمحو الله ما يشاء من الأقدار ويثبت ما يشاء منها، وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به علمه وكتبه قلمه، فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير، لأن ذلك محال على الله أن يقع في علمه نقص أو خلل، ولهذا قال: وعنده أم الكتاب أي: اللوح المحفوظ الذي ترجع إليه سائر الأشياء، فهو أصلها وهي فروع له وشعب، فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب، كأعمال اليوم والليلة التي تكتبها الملائكة، ويجعل الله لثبوتها أسبابا ولمحوها أسبابا، لا تتعدى تلك الأسباب ما رسم في اللوح المحفوظ، كما جعل الله البر والصلة والإحسان من أسباب طول العمر وسعة الرزق، وكما جعل المعاصي سببا لمحق بركة الرزق والعمر، وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب سببا للسلامة، وجعل التعرض لذلك سببا للعطب، فهو الذي يدبر الأمور بحسب قدرته وإرادته، وما يدبره منها لا يخالف ما قد علمه وكتبه في اللوح المحفوظ هـ.
وقال الشيخ العثيمين: يقول رب العالمين عزّ وجل: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ـ أي اللوح المحفوظ ليس فيه محو ولا كتاب، فما كتب في اللوح المحفوظ فهو كائن ولا تغيير فيه، لكن ما كتب في الصحف التي في أيدي الملائكة فهذا: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ. هـ.
وفي فتح الباري للحافظ ابن حجر: المحو والإثبات بالنسبة لما في علم المَلَك، وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى فلا محو فيه البتة، ويقال له: القضاء المبرم، ويقال للأول: القضاء المعلق. اهـ.
وراجع الفتوى رقم: 21570.
والله أعلم.