عنوان الفتوى : الانتخابات وتحقيق المصالح ودفع أو تقليل المفاسد
نحن في تونس مقدمون على فترة انتخابات والمشكلة في من نختار؟ بت حائرةً بين حزبين: أولهما ذو شعبية كبيرة ولكن برنامجه ـ فيما يبدوـ فيه مداهنة وتمييع للدين، والثاني أقرب منه للشريعة وتطبيق الأحكام إلا أن شعبيته قليلة جداً، أأختار من أراه الأصلح لديني وإن كانت فرصة نجاحه ضئيلة؟ أم أختار الأول حتى لا أشتت الأصوات، وبطريقة حسابية أضمن ـ بإذن الله ـ وصول حزب إسلامي للمجلس التأسيسي؟ أرجو الرد في أقرب وقت، فالوضع جد حساس، والانتخابات بعد أقل من أسبوع، وبارك الله فيكم ونفع بكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيتعين اختيار الأصلح في دينه إذا كان الاختيار بين الصنفين المذكورين، وأما في حال كون الانتخاب حاصلا بين فرقاء بعضهم إسلامي وبعضهم علماني وبعضهم إلحادي فيتعين السعي في تحقيق أعظم مصلحة للدين ودفع أعظم مفسدة عنه، فما يتحقق به عدم التمكين للعلمانيين والإلحاديين يتعين السعي في حصوله، ولذا ينبغي لأهل العلم الموازنة والنظر في ذلك بعقل وبصيرة وإنصاف، فإذا كان دعم المرضيين لا يحقق شيئا فيتعين تقديم ودعم من يرون الحل الإسلامي ثم يتناصح معهم فيما بعد ويتحاور معهم حتى يعرفوا الحق ويتمسكوا به، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله: مدار الشريعة على قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ـ وعلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ـ أخرجاه في الصحيحين، وعلى أن الواجب تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما هو المشروع.
وقال أيضا: السيئة تحتمل في موضعين: دفع ما هو أسوأ منها إذا لم تدفع إلا بها، وتحصيل ما هو أنفع من تركها إذا لم تحصل إلا بها، وذلك ثابت في العقل، كما يقال: ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين. اهـ.
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله: وتمام الورع أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية فقد يدع واجبات ويفعل محرمات ويرى ذلك من الورع. انتهى.
بل إن السعي في تقليل المفاسد وتحقيق المصالح يجعل المسلم ينصر أقل أهل الباطل شرا كما قال شيخ الإسلام أيضا: لو كان المتنازعان مبطلين كأهل الكتاب والمشركين إذا تجادلوا أو تقاتلوا كان المشروع نصر أهل الكتاب على المشركين بالقدر الذي يوافقهم عليه المؤمنون إذا لم يكن في ذلك مفسدة تقاوم هذا المصلحة، فإن ذلك من الحق الذي يفرح به المؤمنون كما قال تعالى: الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء ـ فإنها نزلت كما استفاض في التفسير والمغازي والحديث في اقتتال الروم النصارى والفرس المجوس، وكانت المجوس قد غلبت النصارى على أرض الشام وغيرها فغلبت الروم وفرح بذلك مشركو قريش، لأن المجوس إليهم أقرب من النصارى، لأن كلاهما لا كتاب له، واغتم لذلك المؤمنون لأن النصارى إليهم أقرب لأنهم أهل كتاب، فذكر ذلك أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن الروم سوف تغلب فارس بعد ذلك في بضع سنين وناظرهم أبو بكر على هذا قبل تحريم ذلك، وظهرت الروم على فارس بعد ذلك.
والله أعلم.