عنوان الفتوى : لماذا يقدِّر الله لبعض الناس دخول النار ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

كثير ممن أعرف من الذين هم مهتمون بالإسلام يتساءلون كثيراً عن القضاء القدر ، السؤال الذي وجدته صعباً في إجابته وأريدكم أن تساعدوني فيه هو : لماذا يقدِّر الله لبعض الناس دخول النار ؟ أعرف أن الإنسان يرتكب أعمالا تدخله النار ، ولكن إذا كان الله خلقَنا وخلق أعمالَنا فلماذا إذن نعاقَب على ذلك ؟ جزاكم الله خيراً .

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله

إن تقدير الله تعالى لأحد أنه يدخل النار ليس يعني أنه قد أجبره على الكفر حتى يتحقق في الآخرة دخول ذلك الكافر النار ، وهذا ليس اعتقاداً صحيحاً بل الله تعالى منزَّه عنه ، وإنما الواقع أن الله تعالى قد علِم ما سيفعله خلقه في حياتهم الدنيوية ، وقد أمر عز وجل القلمَ أن يكتب ذلك العلم الذي سيحصل من خلقه ، ولم يُطلع الله تعالى على ذلك العلم ملَكاً مقرَّباً ولا نبيّاً مرسلاً ، فلا أحد يعلم ماذا كُتب له أو عليه في اللوح المحفوظ ، وهو يدل على أن ما يحتج به بعضهم بالقدَر لا قيمة له ، فالعبد مكلَّف بالإيمان والعمل ، وسيجازيه ربُّه تعالى يوم القيامة على ما قدمت يداه لا على ما كتبه الله تعالى عليه في اللوح المحفوظ ، وقد أقام الله عز وجل الحجة على خلقه بإرساله الرسل مبشرين ومنذرين ، قال تعالى ( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) النساء/165 ، ولولا ذلك لكان لهم حجة على الله تعالى ، والله تعالى منزَّه – أصلاً – أن يعاقب أحداً إلا على ما عمل بعد أن يقيم عليه الحجة ، ولذا كان الذين لم تصلهم الرسالات أو كانوا غير مكلفين عند إرسال الرسل يحتجون على الله تعالى يوم القيامة ، والله تعالى سيختبرهم في تلك الدار ، وأما في الدنيا : فإنه مَن جاءه البلاغ وهو مكلَّف : فليس له عند الله تعالى حجة يوم القيامة ، وهو تعالى قد أوضح له طريق الحق والضلال وخيَّره بين سلوك الطريق الأول وله الجنة ، أو الثاني وله النار ، ولم يُجبره على أن يسلك أحد الطريقين ، قال تعالى ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا . إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً . أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا) الكهف/ 29 – 31 .

يا عبد الله ؛ إذا كنا نؤمن بأن الله قد قدر كل ما هو كائن ، وأن الله تعالى علمه ، وخلقه ؛ فإن التفكير الإيجابي حقا أن نفترض أن الله كتب علينا الهدى والصلاح ، وهذا قد كتبه علينا شرعا ، وأمرنا به ، وإذا كان لا بد لك من أن تفترض واحدا من أمرين ، وتستسلم له : فافترض أنه قد قدر عليك الخير ، وكتبه عليك ، وكتبك من أهل الجنة ، وهذا هو اللائق بحسن الظن بالله ، ورحمته التي سبقت غضبه ، ورضاه الذي غلب سخطه ؛ وامض على ذلك التقدير ، واعمل بعمل أهل الجنة ، فكل ميسر لما خلق له !!

يا عبد الله ؛ إن مثل القدر السابق ، كمثل الشمس التي لا غنى لنا عنها في حياتنا ، ولا خروج لنا عن ضوئها في سيرنا ، فنحن ننتفع بها ما دمنا فاهمين لذلك ، مقدرين له ؛ لكن متى جئنا إليها ، وهي واضحة بينة في وقت الظهيرة ، ودققنا النظر إليها : لم نستفد شيئا من تدقيقنا ذلك ، وأوشكت أن تخطف أبصارنا !!
وهكذا القدر ؛ لا غنى لك عن الإيمان به ، فهو أحد أركان الإيمان ، ولا خروج لك عنه ، فهو كالشمس المضيئة لنا ، أو كالسماء التي فوقنا ؛ ولكن متى دققت في ضوئها ، ولم تكتف بالسير فيه ، أضر ذلك بعينك حتى كاد أن يذهب بها !!

هذا هو اعتقاد المسلمين ، ولا مجال فيه لأحد أن يطعن عليه أو يستشكله ، ومن يفهم أركان القدَر لم يقع في شباك الوسوسة ولم يسلك طريق الانحراف ، وهذه المراتب هي : العلم ، ثم الكتابة ، ثم المشيئة ، ثم الخلق ، وتفصيل هذه المراتب في جوابي السؤالين ( 49004 ) ( 34732 ) .
وانظر جواب السؤال رقم ( 96978 ) .
والله أعلم .