عنوان الفتوى : حكم حكاية النكت والطرائف
حكم قول السروال سنة، أليس فيه امتهان للسنة؟ وهذه نكتة، فهل يجوز قولها؟ محشش سهران يفكر طول اليل سأله أخوه إيش فيك؟ قال المحشش: فيه سؤال محيرني مرة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نفهم مرادك بالضبط ولكن إن كنت تسألين عن حكم لبس السراويل وهل هو من السنة، وهل في قول ذلك امتهان للسنة، فالجواب: أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اشترى السراويل وأمر بلبسها، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب. رواه أحمد وحسنه الألباني.
وفي سنن النسائي عن سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرفة العبدي بزا من هجر فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى ووزان يزن بالأجر، فاشترى منا سراويل، فقال للوزان: زن وأرجح. والحديث صححه الألباني.
وقال ابن القيم في الهدي: فصل: واشترى صلى الله عليه وسلم سراويل، والظاهر أنه إنما اشتراها ليلبسها، وقد روي في غير حديث أنه لبس السراويل، وكانوا يلبسون السراويلات بإذنه. انتهى.
وعليه فقول القائل السروال سنة ليس فيه امتهان للسنة لما تقدم.
أما الكلام المذكور عن المحشش: فالظاهر عدم جوازه، لأن الكذب على سبيل المزاح محرم، فقد قال ابن قدامه في مختصر منهاج القاصدين في كلامه على المزاح: أما اليسير منه فلا ينهى عنه إذا كان صادقاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمزح ولا يقول إلا حقاً، فإنه قال لرجل: يا ذا الأذنين ـ وقال لآخر: إنا حاملوك على ولد الناقة ـ وقال للعجوز: إنه لا يدخل الجنة عجوز ـ ثم قرأ: إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً* فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً {الواقعة: 35-36 ـ وقال لأخرى: زوجك الذي في عينيه بياض. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: المتحدث بأحاديث مفتعلة ليضحك الناس أو لغرض آخر عاص لله ورسوله، وقد روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الذي يحدث فيكذب ليضحك القوم ويل له ويل له ثم ويل له ـ وقد قال ابن مسعود: إن الكذب لا يصلح في جد ولا هزل، ولا يعد أحدكم صبيه شيئا ثم لا ينجزه، وأما إن كان في ذلك ما فيه عدوان على مسلم وضرر في الدين فهو أشد تحريما من ذلك، وبكل حال ففاعل ذلك مستحق للعقوبة الشرعية التي تردعه عن ذلك. اهـ.
وقال الشيخ ابن باز: التفكه بالكلام والتنكيت إذا كان بحق وصدق فلا بأس به، ولا سيما مع عدم الإكثار من ذلك، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا صلى الله عليه وسلم، أما ما كان بالكذب فلا يجوز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له ـ أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد جيد. اهـ.
وسأله ـ رحمه الله ـ سائل فقال: في كلام البعض ـ وحين مزاحهم مع الأصدقاء ـ يدخل شيء من الكذب للضحك، فهل هذا محظور على الإسلام؟ فأجاب: نعم، هو محظور في الإسلام، لأن الكذب كله محظور ويجب الحذر منه، قال عليه الصلاة والسلام: عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ـ وعلى هذا، فيجب الحذر من الكذب كله سواء من أجل أن يضحك به القوم أو مازحاً أو جادا. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في لقاءات الباب المفتوح: لا يجوز الكذب في الطرائف كما يقولون، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو على الأقل بسند حسن أنه قال: ويل لمن يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ثم ويل له ـ وهذا يدل على أنه لا يجوز، لأن الوعيد بويل من أدلة تحريم العمل. اهـ.
ولا ينبغي أن يقاس مثل هذا على ما أباح أهل العلم من الكذب للتعليم كما في مقامات الحريري، إذ ليس في هذا الكلام فائدة ولا علم ولا حكمة، وقد قيد الهيتمي إباحة الكذب في مثل ذلك بالفائدة، فقد جاء في تحفة المحتاج للهيتمي ما يلي: ويؤيده قول بعض أئمتنا في الحديث الصحيح: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ـ وفي رواية: فإنه كانت فيهم أعاجيب. هذا دال على حل سماع تلك الأعاجيب للفرجة لا للحجة. انتهى.
ومنه يؤخذ حل سماع الأعاجيب والغرائب من كل ما لا يتيقن كذبه بقصد الفرجة، بل وما يتيقن كذبه، لكن قصد به ضرب الأمثال والمواعظ وتعليم نحو الشجاعة على ألسنة آدميين أو حيوانات.
والله أعلم.