عنوان الفتوى : مسائل حول الفدية اللازمة عند تأخير قضاء الصوم
سؤالي: يتعلق بالناحية الدينية، وهذا رقم الاستشارة التي سببها الدورة الشهرية: 2273204 هل يجوز تأخير إخراج الكفارة إلى ما بعد رمضان المقبل ؟ وهل يجوز أن أخرج معكرونة أو زبيبا أو فستقا أو لوزا للكفارة ؟ وهل يجوز أن أعطيها لشخص واحد ؟ المعكرونة مقدارها 400 جرام يعني أخرج 4 أكياس لكل فقير من المعكرونة حتى يصبح كيلو ونصفا هل هذا صحيح ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما كفارة تأخير الصوم إلى رمضان التالي فإنها تجب بمجرد دخول رمضان التالي.
قال النووي: فلو أخر القضاء إلى رمضان آخَرَ بِلَا عُذْرٍ أَثِمَ وَلَزِمَهُ صَوْمُ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ، وَيَلْزَمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَضَاءُ رَمَضَانَ الْفَائِتِ، وَيَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ رَمَضَانَ الثَّانِي عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الْفَائِتِ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ مع القضاء. انتهى، وظاهر كلام الحنابلة أنه لا يلزم المبادرة بإخراجها بمجرد دخول رمضان التالي، بل يجوز إخراجها قبل القضاء وبعده، وإن كانت المبادرة بإخراجها أفضل، قال في الإنصاف: فَائِدَةٌ: يُطْعِمُ مَا يُجْزِئُ كَفَّارَةً. وَيَجُوزُ الْإِطْعَامُ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ. قَالَ الْمَجْدُ الْأَفْضَلُ تَقْدِيمُهُ عِنْدَنَا، مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرِ، وَتَخَلُّصًا مِنْ آفَاتِ التَّأْخِيرِ. انتهى، وأما دفع الكفارة لمسكين واحد فجائز لا حرج فيه، وقد بين النووي رحمه الله وجه جواز ذلك فقال ما لفظه: وَكُلُّ مُدٍّ مِنْهَا مُنْفَصِلٌ عَنْ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ صَرْفُ أَمْدَادٍ كَثِيرَةٍ عَنْ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ وَالشَّهْرِ الْوَاحِدِ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ أَوْ فَقِيرٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ أمْدَادِ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ صَرْفُ كُلِّ مُدٍّ إلَى مِسْكِينٍ، وَلَا يُصْرَفُ إلَى مِسْكِينٍ مِنْ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ مدان لأن الكفارة شيء وَاحِدٌ (وَأَمَّا) الْفِدْيَةُ عَنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ فَكُلُّ يوم مستقل بِنَفْسِهِ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ مَا قَبْلَهُ وَلَا مَا بَعْدَهُ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِمَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ. انتهى.
وأما الأصناف التي تخرج في الفدية فهي ما يجزئ إخراجه في الكفارة كما مر في كلام المرداوي، وهو ما يجزئ إخراجه في صدقة الفطر، وهو غالب قوت البلد على الراجح.
قال في المغني: الْمُجْزِئَ فِي الْإِطْعَامِ مَا يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ، وَهُوَ الْبُرُّ، وَالشَّعِيرُ، وَالتَّمْرُ، وَالزَّبِيبُ، سَوَاءٌ كَانَتْ قُوتَهُ أَوْ لَمْ تَكُنْ، وَمَا عَدَاهَا. فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُهُ، سَوَاءٌ كَانَ قُوتَ بَلَدِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ بِإِخْرَاجِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ، عَلَى مَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا، وَلِأَنَّهُ الْجِنْسُ الْمُخْرَجُ فِي الْفِطْرَةِ، فَلَمْ يُجْزِئْ غَيْرُهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ قُوتَ بَلَدِهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: عِنْدِي أَنَّهُ يُجْزِئُهُ الْإِخْرَاجُ مِنْ جَمِيعِ الْحُبُوبِ الَّتِي هِيَ قُوتُ بَلَدِهِ، كَالذُّرَةِ، وَالدُّخْنِ، وَالْأَرُزِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] . وَهَذَا مِمَّا يُطْعِمُهُ أَهْلَهُ، فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ بِظَاهِرِ النَّصِّ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. انتهى.
وعليه، فإخراج الزبيب جائز قطعا، وأما المكرونة فإن جواز إخراجها يتفرع على الخلاف في جواز إخراج غير الحب كالدقيق والخبز، والراجح إن شاء الله جواز إخراجه، وإن كان الأحوط ترك ذلك خروجا من الخلاف.
وقد رجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله جواز إخراج المكرونة في الفطرة، ومن ثم في الكفارة. فقال رحمه الله: هل تجزئ المكرونة في زكاة الفطر؟الجواب: من قال: إن الخبز يجزئ فالمكرونة عند صاحب هذا الرأي تجزئ أيضاً. ومن قال: لا يجزئ الخبز؛ لأن الخبز أثرت عليه النار، فإن المكرونة إذا أثرت عليها النار في تصنيعها فإنها لا تجزئ كذلك، ولو أن إلحاق المكرونة بالخبز من كل وجه فيه نظر، ولهذا نرى أن إخراج المكرونة يجزئ ما دامت قوتاً للناس ليست كالخبز من كل وجه، وتعتبر بالكيل إذا كانت صغيرة مثل الأرز، أما إذا كانت كبيرة فتعتبر بالوزن. انتهى.
وعلى ما رجحه الشيخ، فالصورة المذكورة في الإخراج جائزة إن شاء الله، وأما الفستق واللوز فليس مما يجوز إخراجه في الفطرة، ومن ثم فلا يجوز إخراجه في الكفارة.
والله أعلم.