عنوان الفتوى : هل يجوز أن يقال : فاطمة الزهراء عليها السلام ، أو الحسين عليه السلام؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل يجوز أن نقول مثلا فاطمة الزهراء عليها السلام ، أو الحسين عليه السلام؟

مدة قراءة الإجابة : 10 دقائق

الحمد لله.


أولا :
الصلاة على غير الأنبياء تجوز تبعا لهم ، كما يقال : اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه ، وهكذا .
وأما أن يقال ذلك على سبيل الانفراد : أبو بكر صلى الله عليه ، وعمر ، وعلي ، وهكذا .. ؛ فهذا موضع خلاف بين أهل العلم ؛ فمنهم من منع من ذلك مطلقا ، ومنهم من أجازه مطلقا ، ومنهم من فصل : فذهب إلى جواز ذلك ـ وليس استحبابه ، فضلا عن وجوبه ـ إلا إذا اتخذ شعارا لبعض البدع ـ كالرافضة ونحوهم ـ فيمنع منه لأجل ذلك .
وقد توسع ابن القيم رحمه الله في عرض أدلة الفريقين ، ثم قال :
" إن كان [ يعني : المصلَّى عليه ] شخصا معينا أو طائفة معينة كره أن يتخذ الصلاة عليه شعارا لا يخل به ، ولو قيل بتحريمه لكان له وجه ، ولا سيما إذا جعلها شعارا له ، ومنع منها نظيره أو من هو خير منه ، وهذا كما تفعل الرافضة بعلي رضي الله عنه فإنهم حيث ذكروه قالوا : عليه الصلاة والسلام . ولا يقولون ذلك فيمن هو خير منه . فهذا ممنوع ، لا سيما إذا اتخذ شعارا لا يخل به ، فتركه حينئذ متعين . وأما إن صلى عليه أحيانا بحيث لا يجعل ذلك شعارا كما صلي على دافع الزكاة وكما قال ابن عمر للميت صلى الله عليه وكما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على المرأة وزوجها وكما روي عن علي من صلاته على عمر : فهذا لا بأس به " انتهى .
"جلاء الأفهام" (ص 663) ط مشهور سلمان .
وقال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله :
" الصلاة والسلام على غير الأنبياء - تبعاً أو استقلالاً - .. أما على سبيل التبعية فهي جائزة بالإجماع ، كما في صيغ الصلاة الإبراهيمية .
وإنما الخلاف على سبيل الانفراد ، فهذا فيه نزاع على قولين ، فالجمهور منهم الثلاثة : على عدم الجواز فلا يقال : قال أبو بكر - صلى الله عليه وسلم - ، وإن كان المعنى صحيحاً ، كما لا يقال : قال محمد عز وجل ، وإن كان عزيزاً جليلاً ؛ لأن هذا من شعار ذكر الله عز وجل ، وحملوا ما ورد في ذلك من الكتاب والسنة على الدعاء لهم ، ولهذا لم يثبت شعاراً لآل أبي أوفى ولا لجابر وامرأته ، قال ابن كثير : وهذا مسلك حسن .
ثم المانعون اختلفوا في نوع المنع ، هل هو على التحريم ، أو الكراهة التنزيهية ، أو خلاف الأوْلى ؟
وذهب أحمد وأكثر أصحابه إلى أنه لا بأس بذلك ، قال النووي بعد ذكره الخلاف :
( والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه ؛ لأنه شعار أهل البدع ، وقد نهينا عن شعارهم .... إلخ ) .
ومعنى هذا التصحيح أن الحكم بالكراهة حادث لحدوث بدعة التشيُّع وإلا فالأصل الجواز ، ولهذا قال ابن كثير بعده :
( قلت : وقد غلب هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب أن يفرد علي - رضي الله عنه - بأن يقال : عليه السلام ، من دون سائر الصحابة ، أو : كرَّم الله وجهه ؛ هذا وإن كان معناه صحيحاً لكن ينبغي أن يسوى بين الصحابة في ذلك ، فإن هذا من باب التعظيم والتكريم ، فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه - رضي الله عنهم أجمعين - .
وذكر مُسنداً عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال : لا تصح الصلاة على أحد إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالمغفرة ، ومُسنداً أيضاً عن عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله تعالى - : أما بعد : فإن ناساً من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة ، وإن ناساً من االقصاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا جاءك كتابي هذا فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ، ودعاؤهم للمسلمين عامة ويدعوا ما سوى ذلك أثر حسن ) ا هـ .
وما ذهب إليه النووي ، وابن كثير هو : اختيار ابن القيم - رحمهم الله تعالى – " . انتهى .
"معجم المناهي اللفظية" (349-350) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الصلاة على غير الأنبياء استقلالاً لا تبعاً : هذه موضع خلاف بين أهل العلم : هل تجوز أو لا ؟ فالصحيح جوازها ، أنه يجوز أن يقال لشخص مؤمن : صلى الله عليه ، وقد قال الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عليهم ) فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى على من أتى إليه بزكاته وقال : ( اللهم صلِّ على آل أبي أوفى ) حينما جاؤوا إليه بصدقاتهم .
إلا إذا اتخذت شعاراً لشخص معين كلما ذكر قيل : صلى الله عليه ، فهذا لا يجوز لغير الأنبياء " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" - لابن عثيمين (11 /13) . وينظر : "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/396-397) .

ثانيا :
إفراد الشخص بلفظ السلام ، كأن يقال : عليه السلام ، بدون ذكر الصلاة ، اختلف فيه أيضا .
ابن القيم رحمه الله :
" ثم اختلفوا في السلام : هل هو في معنى الصلاة ، فيكره أن يقال : السلام على فلان ، أو يقال : فلان عليه السلام ؟ فكرهه طائفة ، منهم أبو محمد الجويني ، ومنع أن يقال عن علي : عليه السلام . وفرق آخرون بينه وبين الصلاة ، فقالوا : السلام يشرع في حق كل مؤمن ، حي وميت ، وحاضر وغائب ، فإنك تقول : بلغ فلانا مني السلام ، وهو تحية أهل الإسلام ؛ بخلاف الصلاة فإنها من حقوق الرسول ، ولهذا يقول المصلي : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، ولا يقول الصلاة علينا وعلى عباد الله الصالحين ؛ فعلم الفرق " انتهى .
"جلاء الأفهام" (639) .

فالظاهر أن إفراد الصحابي بلفظ عليه السلام : أسهل من إفراده بلفظ الصلاة ، ولذلك كان ورده في كتب أهل العلم ، سواء كان ذلك من المصنفين ، أو من النساخ أظهر وأشهر .
قال البخاري رحمه الله في صحيحه (5/20) :
" بَاب مَنَاقِبِ قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْقَبَةِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ " انتهى .
وفي صحيح البخاري أيضا : ( أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنْ الْمَغْنَمِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَانِي شَارِفًا مِنْ الْخُمْسِ فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا ... )
وقد ورد ذكر لفظ السلام على فاطمة وعلي والحسن والحسين أيضا ، رضي الله عنهم جميعا ، في نصوص عديدة ، في صحيح البخاري وغيره ، وإن كان الأمر يحتاج إلى مزيد من التحري ، هل لفظ " السلام " هو في أصل النص المروي ، أو هو من تصرفات النساخ ، كما أشار إليه ابن كثير رحمه الله ، في كلامه الذي نقلناه آنفا .

والحاصل :
أنه لا حرج في أن يقال في حق فاطمة رضي الله عنها ، أو غيرها من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : عليهم السلام ، على ألا يكون ذلك شعارا لأهل البدع ، وخاصة في مكان أو زمان فيه ظهور لهذه البدعة ، وعلى ألا يعتقد منعه في حق من هو مثل هذا الشخص ، أو أولى منه .
والله أعلم .
راجع إجابة السؤال رقم : (105474)