عنوان الفتوى : جعل زوجها أمرها بيدها لمدة سنتين

مدة قراءة السؤال : 4 دقائق

منذ فترة وأنا أعاني خلافات كثيرة مع زوجي، وأحياناً أذهب فأمكث عند أهلي، وقد حصل في بعضها ألفاظ بالطلاق، فأنا بصراحة لست أدري إن تجاوز عدد الطلقات ثلاثاً أو لا، ويحتاج الأمر مني إلى رسالة تفصيلية أشرح فيها ملابسات زواجي وما مر به من ألفاظ ربما تكون أدت إلى طلاق بائن دون أن ندري. أبدأ من الآخر، فمنذ ثلاث سنوات كان قد طردني إلى بيت أهلي ، واتفقنا على الخلع لأنه لا يريد تطليقي ، فآثر الخلع ليذهب بكل ما لدي، وبالفعل تنازلت له عن كل ما أملك (بناء على فتوى أحد الشيوخ عندنا بأنه يستطيع أن ينزع مني كل شيء وليس المهر فقط، فأنا لم أقبض أي مهر وتنازلت عنه سلفاً مراعاة لحالته المادية وقتها) المهم: أخذ مني ما أملك من المصاغ ، وتنازلت له عن حضانة بناتنا، ولكنه رغم ذلك رفض تطليقي ومخالعتي. فلبثت عند أهلي وحاولت رفع دعوى قضائية بالتفريق بيننا، لكنه هدد القاضي وهددني إن لم أرجع إليه، فرجعت على شرط أن يجعل أمر طلاقي بيدي، فوافق وقال: جعلت أمرك طلاقك بيدك لمدة سنتين، واستأمنني أن أستعمل هذا التفويض بحق . وبعد ذلك استمرت المشاكل بيننا ، وعادت أخلاقه كما كان قبل خروجي من المنزل، وفي يوم وقبل انتهاء المدة بشهور تشاجرنا كثيراً ، وأحسست أنني لم أعد أحتمل العيش معه، فقلت: طلقت نفسي منك عندها انهال علي بالضرب، لكنه لما وعى لهول ما حدث ، أخذني لشيخ يعرفه، وسردنا عليه ما جرى، فسألني الشيخ أسئلة لا علاقة لها بالفقه، كـ: ماذا يعمل والدي، وكم ولداً عندي، ثم قال لي: الأصل الإبقاء على الأسرة مهما كان ، وقال بأن التفويض غير وارد في الشرع. كلامه لم يقنعني ، فسألت أختاً داعية أعرفها في المملكة السعودية فقالت لي: لو كنت اشترطت العصمة عند العقد فإن الطلاق يقع ، وأما بعد الزواج فهو كعدمه . لكن الأمر ما يزال يؤرقني لأنني طالبة شريعة ، ودرست المذهب الحنفي في لبنان، وأعرف حسب المذهب الحنفي أن الذي تلفظت به يعتبر طلقة بائنة بينونة صغرى ، إلا أن زوجي لا يعتد بالمذهب الحنفي أساساً ، وهو يثق بكم ثقة كبيرة، فأرجو إطلاعي على حال زواجنا وهل وقعت طلقة بهذا اللفظ ؟ وإن كانت وقعت ، فما وضعنا كزوجين منذ أكثر من عام وحتى اليوم؟ هل نلقى الله معذورين أم على كبيرة ؟ وأشير إلى أنني عقدت قراني عليه مرتين : المرة الأولى : بدون إذن وليي ، أي أبي ؛ لأنه كان وقتها يكفر بالله ويسب الدين، فأوكلت شخصاً صديقاً لزوجي أن يزوجني . ثم بعدها رفعت قضية زواج في المحكمة الشرعية ضد أبي ، فوافق على تزويجي، لكنه عند عقد القران طلب الشيخ من زوجي أن يقول لأبي: تزوجت ابنتك على المذهب الحنفي.. فهل نحن ملزمون باتباع المذهب الحنفي في حياتنا وطلاقنا؟ وأي القرانين أصح؟ الأول أم الثاني؟ جزاكم الله كل خير وأرجو عدم إهمال رسالتي لطولها

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق


الحمد لله
أولا :
ما قاله لك زوجك : ( جعلت أمر طلاقك بيدك ، لمدة سنتين .. ) هو تفويض صحيح ، وتوكيل لك بالطلاق في هذه المدة ، وقد طلقت نفسك بالفعل ، فتقع عليك هذه الطلقة .
قال ابن قدامة رحمه الله :
"الزوج مخير بين أن يطلق بنفسه ، وبين أن يوكل فيه ، وبين أن يفوضه إلى المرأة ويجعله إلى اختيارها . بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم خير نساءه فاخترنه .
ومتى جعل أمر امرأته بيدها فهو بيدها أبدا ، لا يتقيد ذلك بالمجلس . روي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال الحكم و أبو ثور و ابن المنذر" انتهى من "المغني" (8/288) .
وقال النووي رحمه الله :
" يصح توكيل المرأة في طلاق غيرها على الأصح ، كما يصح أن يفوض إليها طلاق نفسها". (روضة الطالبين) (4/299) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (29/45) :
"الطَّلاَقُ تَصَرُّفٌ شَرْعِيٌّ قَوْلِيٌّ ، وَهُوَ حَقُّ الرَّجُل كَمَا تَقَدَّمَ ، فَيَمْلِكُهُ وَيَمْلِكُ الإِْنَابَةَ فِيهِ كَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ الأُْخْرَى الَّتِي يَمْلِكُهَا ، كَالْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ . . . فَإِذَا قَال رَجُلٌ لآِخَرَ : وَكَّلْتُكَ بِطَلاَقِ زَوْجَتِي فُلاَنَةَ ، فَطَلَّقَهَا عَنْهُ ، جَازَ ، وَلَوْ قَال لِزَوْجَتِهِ نَفْسِهَا : وَكَّلْتُكِ بِطَلاَقِ نَفْسِكِ ، فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ، جَازَ أَيْضًا ، وَلاَ تَكُونُ فِي هَذَا أَقَل مِنَ الأَْجْنَبِيِّ .. " انتهى .
وينظر: "زاد المعاد" لابن القيم (5/285) وما بعدها ، الروض المربع وحاشيته (6/492) ، كشاف القناع (4/210، 224) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء :
ما هو الدليل من الكتاب والسنة حول جواز كون الطلاق بيد الزوجة؟
فأجابت :
"الأصل في الطلاق أن يكون بيد الزوج ، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) ، لكن إذا وكل الزوج زوجته على طلاق نفسها ، ثم أوقعت الطلاق- وقع الطلاق" . انتهى من "فتاوى اللجنة" (20/11-12) .
فتبين بما سبق أن الطلقة التي فوضك فيها زوجك قد وقعت عليك ، وهي طلقة واحدة ، فإن كان زوجك طلقك قبلها طلقتين فقد استنفذ ما له من الطلاق ، وإن كان طلقك قبلها واحدة فقط، فقد بقي له طلقة واحدة .
ثانيا :
ما ذكرته لك صاحبتك غير صحيح ، بل عكس ذلك هو الصحيح .
فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
هل تجوز أن تكون العصمة بيد المرأة طلاق زوجها ؟
فأجابوا :
"الأصل أن الطلاق بيد الزوج ، ومن يفوض إلى ذلك من طريق الزوج ، هذا إذا كان الزوج أهلا لصدور الطلاق منه ، وأما إذا لم يكن أهلا فإن وليه يقوم مقامه .
وإذا فوض الزوج إلى زوجته أن تطلق نفسها منه فلها أن تطلق نفسها منه ما لم يفسخ الوكالة. وأما جعل الزوج العصمة بيد الزوجة بشرط في العقد ؛ متى شاءت طلقت نفسها : فهذا الشرط باطل ؛ لكونه يخالف مقتضى العقد ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط)" انتهى من" فتاوى اللجنة"(20/10) .
ثالثاً :
إذا كان والدك يسب الدين ، ويكفر بالله تعالى : فقد سقطت ولايته الشرعية عليك ، ولم يعد أهلا لأن يعقد لك نكاحك ؛ لكنك أيضا أخطأت بتفويض أمر تزويجك لأحد أصدقاء زوجك ؛ وإنما كان الواجب أن يتولى تزويجك أحد عصبتك التالين لأبيك في ترتيب الأولياء ؛ إما جدك ، أو أخوك ، أو عمك ، وهكذا . ولا يحل لك أن تزوجي نفسك ، ولا أن توكلي أحدا في تزويجك ، غير عصبتك الذين جعل الشرع لهم الولاية عليك في تزويجك .
وينظر جواب السؤال رقم : (99696) .
لكن إذا كان العمل في بلادكم على المذهب الحنفي الذي يسمح بأن تزوج المرأة نفسها ، ولم تكوني على علم بتحريم ذلك : فنكاحكما السابق صحيح ، ونرجو ألا يكون عليكما فيه إثم.
رابعاً :
التصريح بأن التزويج إنما تم على المذهب الحنفي ، كما هو وارد في السؤال ، وكما يقوله مأذونو الأنكحة في كثير من البلدان ، لا يترتب عليه أي حكم شرعي بالنسبة للنكاح ؛ ولا يلزمهما اتباع المذهب الحنفي ، وإنما المرجع في ذلك كله إلى ما دل عليه الدليل الشرعي ، ولا يعني هذا أيضا بطلان النكاح ، أو خللا فيه ، وهو أشبه باللغو منه بالشروط الشرعية المعتبرة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ومن قال : فلانة كلما تزوجتها على مذهب مالك ، فهي طالق ؛ فهذا التزام مذهب بعينه ؛ فلا يلزمه ، بل له أن يقلد مذهبا غيره " انتهى من "مختصر الفتاوى المصرية" (554) .
نسأل الله أن يهديك أنت وزوجك ، وأن يصلح لكما شأنكما ، وأن يوفقكما لما يحبه ويرضاه .
والله أعلم .