عنوان الفتوى : الحرص على تعلم العربية دون تعصب لعرق أو قومية
ما حكم من يكره اللغة العربية ويكره العرب ويقول إنهم مستعمرون رغم أنه مسلم غيرعربي، بل من الأمازيغ ويقول إن الإسلام عرٌب الأمازيغ الشعب الأصلي لبلدان شمال إفريقيا وهو مسلم يصلي وأخلاقه حسنة ودائما يقول إن العرب شعب استعمر المغرب متناسيا دورهم في جلب الإسلام للمغرب ويقول إنهم فرضوا لغتهم وثقافتهم على الأمازيغ رغم أنه كانت لديهم لغتهم الخاصة وثقافتهم، فماذا أقول لهذا الشخص؟ وحين أذكره بدورهم في نشر الإسلام يقول إن العربي لن يدخل الجنة لمجرد أنه عربي بينما سيدخلها أي مسلم حتى ولو لم يكن عربيا ودائما يقول إن العرب شعب فاسد والعرب في المغرب أكثرهم مفسدون والأمازيغ شعب محافظ مسلم وذو أخلاق حميدة، وأن العرب هم من جلبوا معهم الفساد مستدلا بالسعوديين الذين يأتون للمغرب من أجل الزنا وهم عرب مسلمون وكلما تحدث عن العرب قال إنهم أحقر شعب على وجه الأرض أحقر حتى من اليهود، ويقول إن الدول الإسلامية رغم إسلامها تجد فيها الفساد بجميع صوره من فساد الحكومات ما يجعلها دولا متخلفة بينما الدول الأروبية ليست مسلمة، لكن الحقوق مصانة ولا يوجد فساد كما أن الإنسان يعيش فيها كريما أفضل من بلده، يقول في المغرب حين يتحدث الإنسان الأمازيغية ينبذونه ولا يأبهون له وحقوقه تهضم مما جعل الكثير منهم يتعرٌبون وينسون لغتهم الأصلية، ويقول إن العرب استغلوا الإسلام لينشروا العربية حتى إن الآمازيغ في البوادي يقدسون العربية وكل ورقة كتبت بالعربية لا تمزق، لأنهم يعتقدون أنه نص من القرآن لأنهم أميون لا يعرفون القراءة والكتابة ويقول إن الأمازيغ هم الشعب الأصلي وعلى العرب الخروج من المغرب، لأن المغرب بلد الأمازيغ الشعب الأصلي وهو يقول كيف يعقل أن يعيش شعب فوق أرضه ولا يتكلم لغته، بل لغة شعب آخر؟ وزد على ذلك أن يُنبذ بينما يُعز العربي لمجرد أنه عربي حتى وإن كان فاسدا غير مسلم، وهو إنسان مسلم متق لله لا يفعل المحرمات لكنه لا يحب القومية العربية ويدافع عن هويته الأمازيغية فما رأي الدين في مثل هذا الموقف؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما دمت تصف هذا الشخص بأنه مسلم متق لربه فعليك أن تنصح له وأن تعرفه الحق والصواب، لأن كلامه هذا ينم عن جهل كثير بالدين، إذ كيف يكره اللغة العربية وهي اللغة التي أنزل الله بها كتابه الحكيم وبعث بها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، بل ينبغي للمسلم مهما كانت لغته وجنسيته أن يحرص على تعلم اللغة العربية وأن يعلمها أهله وأولاده، لأنها اللغة التي يقرأ بها القرآن وتقام بها الصلاة، وقد ورد عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: تعلموا العربية فإنها تزيد في العقل والمروءة.
وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: أن مر من قبلك بتعلم العربية فإنها تدل على صواب الكلام ومرهم برواية الشعر فإنه يدل على معالي الأخلاق.
وورد عنه أنه قال: عليكم بالفقه في الدين والتفهم في العربية وحسن العبارة. انتهى.
وسئل الحسن البصري: ما تقول في قوم يتعلمون العربية؟ فقال: أحسنوا، يتعلمون لغة نبيهم. انتهى.
يقول ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم: ولهذا نقول ينبغي لكل أحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها، لأنها اللسان الأولى بأن يكون مرغوبا فيه من غير أن يحرم على أحد أن ينطق بالعجمية. انتهى.
ويقول ـ أيضا: فإنّ اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميّزون. انتهى.
مع التنبيه على أن هذا لا يعني التعصب للعرب ولا للقومية العربية، فالإسلام لم يقم وزنا للقوميات ولا للأعراق بل منهج الإسلام في هذا واضح جلي وهو أن الكرامة عند الله سبحانه إنما تنال بالتقوى والعمل الصالح وأنه لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، مصداقا لقوله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ {الحجرات:13}.
وفي الحديث الذي رواه أبو داود وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي، وفاجر شقي، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن.
وأما ما يذكره عن العرب وأنهم مستعمرون: إذا كان يقصد به الصحابة وأتباعهم الذين نشروا دين الله وبلغوا رسالته فهذا ـ لعمري ـ مما ينبغي أن يحمدوا عليه لا أن يذموا به، إذ أنهم قوم قد تركوا بلادهم وأموالهم وأولادهم وخرجوا في سبيل الله لتبليغ رسالات الله ودعوة الناس إلى الدين ومعلوم أن المسلمين الذين فتحوا البلاد كانوا يلتزمون بأداب الإسلام وأحكامه في العدل والإنصاف والمحافظة على حقوق الناس حتى قال القائل: إن لسيوف المسلمين أخلاقا.
وأما ما يذكره من انحراف كثير من المسلمين العرب وبعدهم عن الصواب والجادة: فهذا حق يشهد الواقع بصدقه، ولكن لا ينبغي أن يحمله هذا على عدم الإنصاف فينتقل من ذم الأشخاص إلى ذم اللغة العربية وبغضها إذ ليس للغة العربية تأثير في انحراف العرب, ومعلوم أن الانحراف في الأخلاق والدين يوجد من العرب وغيرهم, فالواجب على هذا الشخص أن يلتزم القسط في حكمه على الأمور امتثالا لقول الله جل وعلا: وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {المائدة:8}.
والله أعلم.