عنوان الفتوى : إذا حصل الإيجاب والقبول في الخطبة فهل ينعقد النكاح؟
أفتوني فيما يقول بعض الناس إن مجرد الخطبة والاتفاق بين الطرفين على أن يكون صداق الرجل للمرأة التي يريد الزواج منها مائة ألف ريال مثلا : تحل المرأة أن يتمتعها الرجل حتى الفرج لأن عقد النكاح سنة فقط . والواجب هنا هو الإيجاب والقبول وهو الاتفاق بين الطرفين من قبول الرجل أن ينكحه الولي إحدى بناته وليس عقد الزواج كما يقولون .
الحمد لله
أولا :
هناك فرق بين الخِطبة والعقد ، فالخطبة : إبداء الرغبة في نكاح المرأة ، والغالب أن لا يحصل فيها إيجاب من الولي ، لأنه يتمهل ، وينتظر معرفة رأي المخطوبة ، وقد يحصل فيها وعد من الولي بالتزويج .
وأما العقد فإن له أركانا وشروطا ، فمن أركانه : الإيجاب والقبول ، والإيجاب يكون من الولي أو وكيله ، والقبول يكون من الزوج أو وكيله .
فإذا كان الأب هو الولي ، فإنه يقول : زوجتك بنتي فلانة . ويقول الزوج : قبلت الزواج من فلانة .
قال في "كشاف القناع" (5/ 37) : "ولا ينعقد النكاح إلا بالإيجاب والقبول ، والإيجاب هو اللفظ الصادر من قِبَل الولي أو من يقوم مقامه كوكيل.. " انتهى بتصرف .
وبعض الفقهاء - كالحنابلة - يشترطون أن يتقدم الإيجاب على القبول . وينظر : "المغني" (7/61).
كما يشترط لصحة العقد وجود شاهدين مسلمين .
ثانيا :
بعض الأنكحة تتم بلا خطبة ، فيحصل الإيجاب والقبول ، مع رضا المرأة ووجود الشاهدين ، فينعقد النكاح ، وقد كان هذا موجودا في القديم ، بل لا يزال إلى وقتنا هذا .
ولا يقال : إن العقد سنة ، وإن الواجب هو الإيجاب والقبول ، بل الإيجاب والقبول هو العقد ، ويحصل بالكلام ، ولا يشترط كتابته وتسجيله ، وإنما التسجيل لتوثيق الحقوق ، كما لا يشترط أن يتم النكاح على يد مأذون الأنكحة ، بل يكفي حصول الإيجاب والقبول من الولي والزوج .
ثالثا :
إن حصل الإيجاب والقبول في الخطبة ، وتواعدا على العقد فيما بعد ، فلا ينعقد النكاح إلا عند العقد ؛ لأن هذا كالتصريح بأن ما تم في الخطبة ليس عقدا .
وإن حصل الإيجاب والقبول في الخطبة ، ولم يتواعدا على العقد فيما بعد ولم يذكراه ، فهنا يرجع إلى العادة عندهم : فإن جرت العادة بأن هذا وعد وتوطئة للعقد وليست عقدا ، فإن النكاح لا ينعقد بذلك .
وإن جرت العادة بأن هذا عقد ، فهو عقد .
سئل الشيخ عليش المالكي رحمه الله : ما قولكم فيمن بعث رجلا لآخر خاطبا لبنته للأول , أو لولده فأجابه وتواعدا على العقد ليلة البناء , وأرسل لها كسوة ثم أرسل لأهلها طالبا الدخول بها فجهزوها وزفوها إليه ودخل بها بلا عقد ولا إشهاد ظانا حصولهما من الأبوين ...
فأجاب : "التفريق بين هذا الرجل , وهذه المرأة واجب ولا يقال له : فسخ ؛ لعدم العقد ، ووجب عليها الاستبراء .......
قال العلامة التاودي في شرح التحفة : سئل أبو سالم إبراهيم الجلالي عما جرت به العادة من توجيه الرجل من يخطب امرأة لنفسه , أو لولده فيجيبه أهلها بالقبول ويتواعدون العقد ليلة البناء ثم يبعث لها حناء وحوائج في المواسم ويولون النساء عند الخطبة ويسمع الناس والجيران أن فلانا تزوج فلانة ... ثم يطرأ موت , أو نزاع .
فأجاب بما حاصله : إن كانت العادة جارية بأن الخطبة وإجابتها بالقبول إنما هما توطئة للعقد الشرعي ليلة البناء , وأنه لا إلزام بما يقع بينهم , وإنما هي أمارات على ميل كل لصاحبه فلا إشكال في عدم انعقاد النكاح بذلك وعدم ترتب أحكامه عليه .
وإن كانت العادة أنهما جاريان مجرى العقد فيما يترتب عليه ... فلا إشكال أن النكاح انعقد بهما وترتبت عليهما أحكامه .
وإن جُهل الحال بحيث لو سئلوا : هل أرادوا الوعد أو الإبرام لا يجيبون بشيء منهما ، فالذي أفتى به المزدغي : انعقاد النكاح وترتب أحكامه بهما ، والذي أفتى به البقِّيني عدم ذلك كله . ثم قال التاودي : والحاصل : إن كانت العادة أن الخطبة والإجابة بالقبول عقد , ولو ممن ناب عن الزوج والولي وعلم الزوج والزوجة ورضيا به فالظاهر انعقاد النكاح بذلك وترتب أحكامه عليه , وإن كانت العادة أن ذلك مجرد قبول وسكوت أو وعد فلا والله أعلم .
على أن النظر للعادة إنما هو عند السكوت أما عند التصريح بالمواعدة على أن العقد الشرعي إنما يكون ليلة البناء فلا ؛ إذْ هو ناسخ لها [أي للعادة] على فرض ثبوتها بأن ذلك عقد " انتهى من "فتاوى الشيخ عليش" (1/ 420). وينظر : شرح التاودي (1/ 17) , وشرح ميارة على تحفة الحكام (1/ 155).
والغالب الآن أن الناس يفرقون بين الخطبة والعقد .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |