عنوان الفتوى : يعمل الصالحات وأخلاقه حسنة ويهمل الصلاة
لدي أخ يتمتع بأخلاق جيدة ويصوم شهر رمضان كما يصوم غيره من الأيام الفاضلة ويقوم بالكثير من الأعمال الصالحة, ولكن المصيبة العظمى أنه تارك للصلاة، وذلك أنه يصلي اليوم واليومين ثم يبدأ الكسل يتسلل إليه فيقوم بجمع الصلوات، ثم يتركها بالكلية، أرجو أن توجه له نصيحة توجيهية لأنني سوف أرسل اليه هذه الفتوى. وبارك الله فيكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فترك الصلاة إثم عظيم وذنب جسيم، هو أعظم من الزنى والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس، وحسب تارك الصلاة شرا أن انتسابه للإسلام محل خلاف بين أهل العلم، فمن العلماء من يقول إنه كافر مخلد في النار ـ والعياذ بالله ـ ومنهم من يقول إنه مسلم فاسق مرتكب لكبيرة من أكبر الكبائر يخشى عليه بها سوء الخاتمة وحصول عقوبة الله العاجلة والآجلة، وقد قال أمير المؤمنين عمر ـ رضي الله عنه: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.
قال المحقق ابن القيم ـ رحمه الله: لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمدا من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، وأن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال، ومن إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر، وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة، ثم اختلفوا في قتله وفي كيفية قتله وفي كفره. انتهى.
وقد ذم الله تعالى تارك الصلاة ومضيعها بما يوجب على العاقل التحرز من مقارفة هذا الذنب العظيم، قال تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا {مريم:60،95}.
وقال تعالى: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ{ الماعون:5،4}.
وقال تعالى: يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {المنافقون:9}.
قال الذهبي: قال المفسرون: المراد بذكر الله في هذه الآية الصلوات الخمس، فمن اشتغل بماله في بيعه وشرائه ومعيشته وضيعته وأولاده عن الصلاة في وقتها كان من الخاسرين وهكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن نقصت فقد خاب وخسر ـ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ـ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة ـ حديثان صحيحان.
وفي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من فاتته صلاة العصر حبط عمله ـ وفي السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله ـ وقال صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ـ متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة يوم القيامة، وكان يوم القيامة مع فرعون وقارون وهامان وأبي بن خلف.
وقال عمر ـ رضي الله عنه: أما إنه لا حظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة ـ قال بعض العلماء ـ رحمهم الله: وإنما يحشر تارك الصلاة مع هؤلاء الأربعة، لأنه إنما يشتغل عن الصلاة بماله، أو بملكه، أو بوزارته، أو بتجارته، فإن اشتغل بماله حشر مع قارون، وإن اشتغل بملكه حشر مع فرعون، وإن اشتغل بوزارته حشر مع هامان، وإن اشتغل بتجارته حشر مع أبي بن خلف تاجر الكفار بمكة.
وروى الإمام أحمد: عن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله عز وجل. انتهى.
فنحن نربأ بكل مسلم عن أن يعرض نفسه لهذه العقوبة العظيمة، ونحثه على المبادرة بالتوبة النصوح إلى الله تعالى من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
والله أعلم.