عنوان الفتوى : حكم العمل في تقييد الفوائد الربوية
أعاني من تخصصي وهو المحاسبة، فقد قرأت عن كثير من العلماء أنهم يقولون عندما يسألون عن كتابة القيد المحاسبي حينما يكون قيد فائدة أنه لا تجوز كتابته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ـ لكن كتابة القيد المحاسبي ليست هي كتابة العقد الربوي، أو ما شابهه، وإنما هي تشبه التدوين التاريخي للحدث نثبت فيه للشركة في دفاترها الخاصة أنها في اليوم الفلاني استحقت فائدة أو أن عليها فائدة في اليوم الفلاني وهكذا، فهل في هذا تحريم؟ وعلى فرض أن كلام المشايخ الذين قالوا ما سبق صحيح، فما هي الحيلة التي تعينني على تجاوز هذه المشكلة؟ وهل أجعل محاسبا آخر يقوم بكتابة القيد المحاسبي هذا؟ لكن لن أنجو من هذا القيد، فإنه سيظهر لي في ميزان المراجعة والقوائم المالية المختلفة ولا بد أنني سأحتاجه عندما أعمل بعض التحليلات الخاصة بالمصروفات وسأقوم بجمعها وما إلى ذلك من عمليات سيكون من ضمنها تلك الفائدة وبالتالي، لا نجاة من مخالطة تلك الفائدة، فأرجو أن يكون سؤالي واضحا لك يا شيخ، فإنه بحسب علمي أنكم خبراء في الأمور المالية وما تعنيه هذه الاصطلاحات أعلاه وللأسف أقولها إنه قليل إن لم يكن نادراً من التجار من لا يأخذ قروضا ربوية، وهذا مما يضيق حقيقة فرصة المحاسب المسلم الذي يخاف ربه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد سبق لنا في الفتوى رقم: 101859، التنبيه على أن القيد المحاسبي للفوائد، أو المعاملات الربوية لا يدخل في معنى كاتب الربا، إلا إذا كان المقصود من التقييد ما يتصل بتوثيق العقد الربوي، كما هو الشأن في كتابة الكاتب وشهادة الشاهدين وإعداد الورق والصيغ لذلك، أما إذا كان لمجرد ضبط العائدات والمصروفات فلا يدخل في ذلك، ولكن فيه إعانة بوجه ما، وقد نهانا الله عن ذلك فقال: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}.
فالذي يظهر تحريم مثل هذا العمل، وللأسف الشديد فإن النظر لواقع المعاملات التجارية والمؤسسات المالية المعاصرة يحكم على فرصة المحاسب المسلم الذي يخاف الله بالضآلة والضعف، ولكن هذا هو حال المؤمن بصفة عامة في هذه الحياة الدنيا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. رواه مسلم.
فاحرص ـ أخانا الكريم ـ على تجنب المحرمات ما أمكنك، واتق الله ما استطعت واعلم أن الله تعالى لا يضيع أهله، وأنك لن تجد فقد شيء تركته لله، فما تركته له عوضك خيراً منه، قال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:2-3-4}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لن تدع شيئاً اتقاء الله عز وجل إلا أعطاك الله خيراً منه. رواه أحمد وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: من يستعف يعفه الله، ومن يتصبر يصبره الله. متفق عليه.
وأخيراً ننبه على أن من محاسن الشريعة أنها تراعي حال الضرورة وتوسع الأمر إذا ضاق، فلو افترضنا أن أحداً من المسلمين لا يجد إلا مثل العمل المذكور في السؤال ليسد به فاقته وفاقة من يعول ويحقق الحد الأدنى من الكفاف، فمثل هذا لا يؤمر بترك هذا العمل الذي يعتبر بالنسبة له ضرورة، بل يؤمر بما دل عليه قوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام:119}. وقوله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16}.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. رواه البخاري ومسلم.
فما عليه إلا أن يبذل ما يستطيع في البحث عن عمل آخر يحقق له قدر الضرورة، فإذا وجده ترك عمله الأول.
والله أعلم.