عنوان الفتوى : التصرف الأولى لمن أمسك بسارق وتمكن منه
مثلا واحد يقبض سارقا ثم ماذا يفعل أقصد أيهما أولى إطلاق سراحه إعفاء أم تسليمه إلى جهات مختصة لتنفيذ حكم الشرع جزاء؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا الذي قبض على السارق إن لم يكن هو السلطان أو نائبه، فالأفضل أن يعظه وينصحه ويستر عليه ولا يرفعه للسلطان، فإنه إن رُفع للسلطان لم يجز العفو عنه بعد ذلك، ولابد أن يقام عليه الحد، وهو قطع يده، فعن صفوان بن أمية أنه نام في المسجد وتوسد رداءه فجاء سارق فأخذ رداءه، فأخذ صفوان السارق فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقطع يده، فقال له صفوان إني لم أرد هذا يا رسول الله، هو عليه صدقة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا قبل أن تأتيني به. رواه مالك وأحمد والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني.
قال السندي في حاشيته على ابن ماجه: أي لو تركته قبل إحضاره عندي لنفعه ذلك، وأما بعد ذلك فالحق للشرع لا لك. اهـ.
وعن ابن مسعود قال: إني لأذكر أول رجل قطعه، أتي بسارق فأمر بقطعه، وكأنما أسف وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا رسول الله كأنك كرهت قطعه؟ قال: وما يمنعني، لا تكونوا عونا للشيطان على أخيكم، إنه ينبغي للإمام إذا انتهى إليه حد أن يقيمه، إن الله عز وجل عفو يحب العفو وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبـُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {النور: 22}. رواه أحمد، وحسنه الألباني والأرنؤوط بشواهده.
وفي الموطأ أن الزبير بن العوام لقي رجلا قد أخذ سارقا وهو يريد أن يذهب به إلى السلطان فشفع له الزبير ليرسله، فقال: لا، حتى أبلغ به السلطان. فقال الزبير: إذا بلغت به السلطان فلعن الله الشافع والمشفع.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: هو منقطع مع وقفه، وهو عند ابن أبي شيبة بسند حسن عن الزبير موقوفا، وبسند آخر حسن عن علي نحوه كذلك، وبسند صحيح عن عكرمة أن ابن عباس وعمارا والزبير أخذوا سارقا فخلوا سبيله، فقلت لابن عباس: بئسما صنعتم حين خليتم سبيله، فقال: لا أم لك، أما لو كنت أنت لسرك أن يخلى سبيلك. وأخرجه الدارقطني من حديث الزبير موصولا مرفوعا بلفظ: اشفعوا ما لم يصل إلى الوالي فإذا وصل الوالي فعفا فلا عفا الله عنه. والموقوف هو المعتمد... ويدخل فيه سائر الأحاديث الواردة في ندب الستر على المسلم، وهي محمولة على ما لم يبلغ الإمام. اهـ.
وقال ابن عبد البر في الاستذكار: السلطان لا يحل له أن يعطل حدا من الحدود التي لله عز وجل إقامتها عليه إذا بلغته، كما ليس له أن يتجسس عليها إذا استترت عنه، وبأن الشفاعة في ذوي الحدود حسنة جائزة وان كانت الحدود فيها واجبة إذا لم تبلغ السلطان، وهذا كله لا أعلم فيه خلافا بين العلماء، وحسبك بذلك علما. اهـ.
ويستثنى من فضيلة الستر والعفو من عرف شره وأذاه للناس، فالأفضل في حقه أن يرفع للسلطان، كفاً لشره، وزجراً لمثله، وقد نقل الباجي في شرح الموطأ عن مالك قال: لا أحب أن يشفع لأحد وقع في حد من حدود الله تعالى بعد أن يصل إلى الإمام أو الحرس وهم الشرط، وأما قبل أن يصل في أيدي هؤلاء فالشفاعة حينئذ للرجل إذا كانت منه فلتة، ولم يشهد وأخذه عند الحرس، فأما من عرف شره وأذاه للناس، قال مالك: فأحب إلي أن لا يشفع له. اهـ.
والله أعلم.