عنوان الفتوى : نظرية العقل اللاواعي في ميزان الشرع
ما وجه نظر الشرع عن العقل اللاواعي وما يقال عنه؟ وهل يجوز العلاج بالبرمجة اللغوية والجلسات الإيحائية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالعقل اللاواعي يتحدث عنه علماء النفس وغيرهم، وكلامهم مجرد تخمينات وافتراضات، وهذا المسمى عندهم بالعقل اللاواعي هو ما يقوم عليه بالأساس ما يسمى بالبرمجة العصبية، وقد سبق لنا في عدة فتاوى الحديث عنها والإشارة إلى ارتباطها فالفلسفات الشرقية الوثنية، فراجع للأهمية الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 117782، 94724، 103455.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 138256، 130567، 128992.
وقد سبق أن أحلنا في الفتاوى السابقة من يريد التفصيل في هذه المسائل على كتابات الدكتورة فوز بنت عبد اللطيف كردي، أستاذة العقيدة والأديان والمذاهب المعاصرة، فإن لها مشاركات مشكورة في هذا المجال، ومنها أطروحتها للدكتوراة، وهي بعنوان: (أصول الإيمان بالغيب وآثاره) وفيها عرض للمصادر الباطلة لاستمداد معرفة الغيب. ومنها أيضا كتاب: (المذاهب الفلسفية الإلحادية الروحية وتطبيقاتها) وكتاب: (الأصول الدينية لتطبيقات الاستشفاء والرياضة الوافدة من الشرق عبر الغرب وخطورتها على معتقد الأمة).
ومما جاء في الكتاب الأول في مبحث (مصدر المعرفة الباطنية): يختلف القائلون بها في تحديد المصدر الذي تنبع منه، فأهل التصوف العقلي كالفارابي وابن سيناء يردون هذه المعرفة إلى ما يسمونه العقل الفعال فيقولون: إن العقل البشري في طريق رقيه وتطوره يمر بمراحل متدرجة بعضها فوق بعض، فهو في أول أمره عقل بالقوة، فإذا أدرك قدراً كبيراً من المعلومات العامة والحقائق الكلية أصبح عقلاً بالفعل، وقد يتسع مدى نظره ويحيط بأغلب الكليات فيرقى إلى أسمى درجة يصل إليها الإنسان، وهي درجة العقل المستفاد أو درجة الفيض والإلهام. وهذه الرتبة عندهم هي السعادة التي لا تبلغها إلا النفوس الطاهرة المقدسة التي تستطيع أن تخرق حجب الغيب وتصعد إلى عالم النور والبهجة. وقد يردون حصولها إلى النفس وما فيها من القوى، فيعتقدون بوجود ما يسمونه (القوة القدسية) التي يزعمون أنها طريق يُنال به العلم بلا تعلم، ويتبعها قوة تخيلية تخيل للإنسان ما يعقل في نفسه بحيث يرى أو يسمع في نفسه أصواتا كما يراه النائم ويسمعه ولا يكون لها وجود في الخارج. والصوفيون المنتسبون للإسلام يرون أن مصدر هذه المعرفة هو الله عز وجل بناء على عقيدة الحلول والاتحاد أو عقيدة الوحدة ...
أما الفلسفة الروحية الحديثة التي تخلط بين هذه الفلسفات بطريقة جديدة وتدور حول عقيدة وحدة الوجود، فإن مصدر المعرفة فيها هو ما يسمى (العقل الباطن) الذي تفيض معرفته على النفس، إذا تحرر الإنسان من سيطرة العقل الباطن وهو الجزء الواعي من دماغه فيدخل في حالة ( اللاوعي) ومنه يتصل بـ (اللاواعي الجمعي) فينهل من العرفان بعيداً عن سجن الجسد وسيطرة العقل الذي يكون قد غُيب بأحد طرقهم كما عند أسلافهم. ويرى أصحاب هذه الفلسفات أن المتمرسين في رياضاتها الروحية أنه يمكنهم من الوصول إلى درجات أعلى من العرفان يكشف فيها الماضي والحاضر والمستقبل، بل ويعاش وكأنه اللحظة الآنية، ويمكن التغيير فيه والتحويل والتبديل، إذ لا حدود للزمان وللقدرة والعلم إذا اتصل الإنسان بذلك العالم الروحاني بزعمهم. والقائلون بهذه المعرفة يعدونها سرية خفية وشخصية نسبية، تختلف من شخص إلى آخر بحسب ما يجد في نفسه، ومنهم من يرى أن الترقي في معارجها يعتمد على مطالعة التجارب المدونة في كتب الحكمة القديمة المحفوظة التي تمثل تراثاً سرياً منقولاً للمعرفة الباطنية عمن وصلوا إلى قمتها ممن يسمونهم (الحكماء العارفين) أو (الحكماء الأوائل) .. اهـ.
ويقول الأستاذ سامي القدومي في رسالته (الحقيقة الشرعية للبرمجة اللغوية): ما يسمى بالعقل الباطن يعد من ركائز هذه الفلسفة، ولنقرأ عن ذلك ما كتبه أحد سدنة البرمجة اللغوية وهو انتوني روبنز، في كتابه (قدرات غير محدودة) ... أما د. جوزيف ميرفي، فيذكر في مقدمة كتابه (قوة عقلك الباطن): "تستطيع هذه القوة المعجزة الفاعلة للعقل الباطن أن تشفيك من المرض وتعطيك الحيوية والقوة من جديد". كذلك عقد الدكتور ميرفي فصلاً في كتابه عن كيفية استخدام قوة العقل الباطن في تحقيق الثروة، ومن ذلك قوله: "عندما تذهب للنوم ليلاً كرر كلمة (غني) بهدوء وسهولة وإحساس بها ... وسوف تدهشك النتائج ، حيث ستجد الثروة تتدفق إليك. وهذا مثال آخر يدل على القوة العجيبة لعقلك الباطن". لقد أصبح ما يسمى بالعقل الباطن عند أولئك الماديين أصحاب الفلسفة المادية صنماً يعبد من دون الله، فهو الرزاق وهو الشافي، نسأل الله السلامة والعافية وأن يحيينا على التوحيد ويميتنا عليه. ونظرية المثل الأفلاطونية تزعم أن للإنسان عقل ظاهر واع محدود وعقل غير واع أقوى وأرحب من العقل الظاهر غير المحدود. وكذلك "السريالية" المتأثرة بالمدرسة الفرويدية لها نصيب في فلسلفة البرمجة اللغوية العصبية باعتمادها على قوى الواقع اللاواعي الكامنة في النفس البشرية والتي يتطلب إطلاقها وتحريرها. ... وفكرة هذا العقل الباطن أوجدها العالم اليهودي النمساوي سيجموند فرويد الذي كان يقول: "ينبغي أن نحطم كل العقائد الدينية". ... وكما هو مُوثّق في كتب البرمجة اللغوية العصبية أن العقل الباطن يتحكم بجميع العمليات الحيوية في الجسد، ويعرف حلول كل المشاكل. وهذا العقل هو الذي يجعلك سليماً أو مريضاً، سعيداً أو تعيساً ، أو غنياً أو فقيرا. وتمثل ذلك جلياً في مُسلّمات وفلسفة البرمجة اللغوية العصبية حيث زعمت ، كسابقيها من الفلاسفة القدماء بالتعلق بالأسباب المادية البحتة تعلقاً صرفاً كلياً وحتمياً ، أن بمقدور العقل واللغة عمل العجائب والمعجزات في حياة الإنسان، وتزعم أن العقل الباطن هو مصدر قوته اهـ.
والله أعلم.