عنوان الفتوى : تسيء لزوجها في العشرة وتحرمه حقوقه وتطلب النصح والتوجيه

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

تزوجت منذ سنتين ، ومنذ ذلك الحين مررت أنا وزوجي ببعض المشاكل والمصاعب ، فعلى الرغم من أنني أحاول أن أكون امرأة صالحة إلا أنني أعاني من قلة الصبر ، وسوء الأخلاق ، وقلة العلم ، ونقص في مستوى الإيمان ، وازدادت هذه الامور سوءًا بعد أن أنجبت المولود الأول ، لم أكن أعلم أن الأمومة ورعاية الأطفال بهذه الصعوبة وأنها مسئولية كبيرة ، لذلك بدأت تدريجيّاً وبلا شعور أهمل زوجي ، وأضيع حقوقه ، ولا أتجمل له ، وأتحجج بأن لديَّ طفل ، وبأنه بحاجة إلى الرعاية ، وأن المسؤليات كثيرة بالكاد أنوء بحملها ، وأنني أتعب من الطبخ والعناية بالوليد ومراعاة شئون المنزل ، في البداية أظهر صبراً على هذه الحال ولكنه من حين لآخر يتندم أنه تزوج بي ، ويقول : إنه استعجل في الإنجاب ، في الحقيقة إنه رجل طيب ، وما زلت في ذمّته إلى الآن ، فما رأيكم ؟ ما العمل لحل هذه المشكلة ؟ .

مدة قراءة الإجابة : 15 دقائق

الحمد لله

1. من الجيد أنك كنت منصفة في عرض قضيتك ، وإن هذا من شأنه أن يسهِّل علينا الإجابة ، فأنت لم تذكري شيئاً سيئاً عن زوجك ، وكل ما جاء في سؤالك يدينك ، فالمشكلة منك ، وحلها عندك .

2. واعلمي أن حقوق زوجك عليك عظيمة ، ولو كان ثمة سجود في شرعنا لأحدٍ من البشر لكان من الزوجة لزوجا ؛ لعظم حقه عليها .

عن أبي هريرة رضي اللَّهُ عنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : ( لَوْ كُنْتُ آمِراً أحَداً أَنْ يسْجُدَ لأَحدٍ لأَمَرْتُ المرْأَة أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا ) .

رواه الترمذي ( 1159 ) وحسَّنه ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

3. واعلمي أن سوء خلق الزوجة مع زوجها وعدم إعطائه حقوقه يتسبب في أشياء :

1. تطليقها ، فلا شيء يلزم الزوج في البقاء مع زوجة تسيء إليه ، ولا تعطيه حقه في المعاشرة الحسنة .

2. التزوج عليها ، وهذا من أبرز أسباب التعدد ، فبعض الأزواج لا يرغب – لظروف – في فك وثاق الزوجية فيلجأ إلى التزوج بامرأة أخرى ، وقد يجد الزوج بغيته مع تلك الزوجة الأخرى .

3. ضربها والإساءة إليها باللفظ ، وهذا – أيضاً – مما يحدث كثيراً ، فيقابل الزوجُ إساءة زوجته وتقصيرها في حقه بالإساءة له باللفظ والفعل .

4. وبما أنك قد ذكرتِ فيك أشياء ترينها سبباً في مواقفك من زوجك : فإننا نرى أن إصلاحها هو الذي سيكون – بإذن الله – سبباً في إنهاء تلك المشكلات وتبدل الحال إلى أحسن منه ، فقد قلت في سؤالك إنك تعانين " من قلة الصبر ، وسوء الأخلاق ، وقلة العلم ، ونقص في مستوى الإيمان " ، ولنقف مع هذه الأمور لنعالجها ، ونرجو الله أن يسددنا ، ونرجو منك العمل بما ننصحك به ، ونوجهك إليه .

أ. أما قلة الصبر : فإن علاجه يكون بأمور :

1. أن تتفكري جيِّداً بعواقب ذلك على نفسك ، وعلى حياتك الزوجية ، فلعل وقوفك مع هذا المرض والتأمل في عواقبه السيئة أن يردعك عنه ، فيزداد صبرك ولا يقل .

2. التأمل في ثواب الصبر والصابرين ، وما أعده الله تعالى من الأجور العظيمة للصابرين ، ولعل ذلك – أيضاً – أن يدفعك للتحلي بذلك الخلق الجميل ، وأن تنضمي لقافلة الصابرين ، لتنعمي بحياة مطمئنة في دنياك ، وتنالين أجوراً جزيلة في أخراك ، ولعله أن يكفيك أن تتأملي في قوله تعالى ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) الزمر/10 لتعلمي أن الثواب جزيل ، والأجر عظيم .

3. واعلمي أنه لا عذر لك في أنه لا صبر عندك أو أنه قليل ؛ إذ يمكنك أن تصبِّري نفسك ، فكما أن العلم بالتعلم : فإن الصبر بالتصبر ، فكلما رأيتِ شيئاً يدعوك للغضب اضبطي نفسك ، وصبريها ، وانشعلي بذكر الله تعالى ، واشغلي ذهنك بأشياء أُخر ، فهكذا تعودين نفسك على الصبر ، وهذا هو التصبر الذي نريده منك ، وهو من خير عطاء يُعطاه المسلم من ربه تعالى ، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وَمَنْ يَتَصبَّر يُصبِّرْه الله ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً هُوَ خيراً وَأَوْسَع مِن الصَّبْر ) رواه البخاري ( 1400 ) ومسلم ( 1053 ) .

4. وندعوك – أخيراً – لاتخاذ قدوات صالحات ممن تعرفين من أخواتك النساء ، فثمة كثيرات صبرن على حالهن ، وعلى أزواجهن ، رغم ما عانين من شدة في المعيشة ، وسوء في أخلاق الزوج ، فكتب الله لهن التوفيق ، والسعادة ، ووهبهن الذرية الصالحة الطيبة ، فكيف يكون حالك ، وأنت لم تذكري عن زوجك شيئا من الشدة أو البزاء ، أو الجفاء ؛ فاجعلي من أولئك قدوات لك ، ولا تنظري إلى من فقدت صبرها فتصرفت بقيادة غضبها : فإنها خاسرة ، ولن تحصد إلا السوء والنقصان .

قال تعالى : ( فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ) هود/ 49 .

ب. وأما سوء الأخلاق : فإن علاجه يكون بأمور :

1. التأمل بعواقب بسوء الأخلاق ، وأنها جالبة لسخط الله ، وسخط الناس ، وأنك بها تخسرين بيتك وزوجك ، وآثار سوء الأخلاق أكثر من أن تُحصى .

وأن تتعرفي على أن عواقب حسن الخلق ، وما أعده الله للحسنة أخلاقهم في الآخرة ، فضلاً عما يجده أصحابه في الدنيا من ذِكرٍ حسنٍ بين الناس ، وكسب لقلوبهم .

عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ مِن أَحَبِّكُم إِلَيَّ وَأَقرَبِكُم مِنِّي مَجلِسًا يَومَ القِيَامَةِ أَحَاسِنُكُم أَخلَاقًا ) .

رواه الترمذي ( 2018 ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

وقد قيل : " مَن حسُن خلُقُه : طابت معيشته ، ودامت سلامته ، وتأكدت في الناس محبته ، ومَن ساء خُلُقُه : تكدرت معيشته ، ودامت بغضته ، ونفر الناس منه " .

2. الدعاء بأن يهديك الله لأحسن الأخلاق وأن يصرف عنك سيئها ، وقد كان هذا الدعاء مما علمنا إياه نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقوله في استفتاح صلاتنا ، فقد روى مسلم - ( 771 ) - عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ : ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ... وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلا أَنْتَ ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلا أَنْتَ ) .

3. عليك بمجاهدة نفسك ، فالخلق الحسن يحتاج لهداية – كما سبق في حديث علي السابق - ، فتحتاج النفس لمجاهدة حتى تستقيم على الخلق الحسن ، وقد وعد الله تعالى من جاهد نفسه أن يوفقه ويهديه ، فقال : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) العنكبوت/ 69 .

4. الاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الآخرين ، فهو خير قدوة ، وأفضل

أسوة ، وقد زكَّاه ربه تعالى فقال ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) القلم/ 4 ، فاستحق أن يكون خير أسوة ، قال تعالى ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) الأحزاب/ 21 .

قال ابن حزم – رحمه الله - :

مَن أراد خير الآخرة وحكمة الدنيا وعدل السيرة والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها واستحقاق الفضائل بأسرها : فليقتد بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليستعمل أخلاقه وسيره ما أمكنه ، أعاننا الله على الائتساء به بمنِّه ، آمين .

" الأخلاق والسير في مداواة النفوس " ( ص 24 ) .

ولينظر كتاب " سوء الخلُق ، مظاهره ، أسبابه ، علاجه " تأليف : الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد .

ج. وأما نقص العلم ، فإنما يكون علاجه بالتعلم ، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( العلم بالتعلم ، والحلم بالتحلم ، ومن يَتَحَرَّ الخير يُعْطَه ، ومن يتَوّقَّ الشر يُوقَهْ ) رواه ابن أبي خيثمة في كتاب " العلم " ، رقم (114) ، وحسنه الألباني .

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( إنَّ الرَّجُلَ لاَ يُولَدُ عَالِمًا ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ ) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (8/542) .

وكما أنه يجب عليك أن تتعلمي ما تحتاجين إليه في أمر دينك ، من العقائد والعبادات والأخلاق ، فإن في حاجة إلى أن تتعلمي ما يجب عليك تجاه زوجك ، وما يستحب لك في عشرتك معه ، وذلك أيضا من دين الله الذي تؤمرين به ، وتحاسبين على التفريط فيه .

وقد يسَّر الله تعالى من طرق طلب العلم الشيء الكثير من الوسائل ، فالكتب المحققة في متناول الأيدي ، والقرص الضوئي الواحد فيه ألوف العناوين من الكتب ، ويسهل الحصول على مواد سمعية لعلماء ثقات يشرحون فيها صغار العلم وكباره ، كما تتيسر القنوات الإسلامية ، والدروس في المساجد ، ومواقع الإنترنت ، والبال توك ، وغير ذلك من الوسائل التي أقيمت بها الحجة على كل مسلم ، وما كان صعباً متعذراً في سالف الزمان أصبح الآن سهلاً يسيراً .

وانظري جواب السؤال رقم ( 10471 ) فهو مهم .

د. وأما نقص الإيمان : فإن له أسباباً متعددة ، كما قد ذكرنا أبرزها في جواب السؤال رقم ( 10809 ) فلينظر .

وأما علاج ذلك النقص والضعف في الإيمان : فإنه يوجد في هذا الموقع رسالة بعنوان " ظاهرة ضعف الإيمان " ، وفيها بيان تام لما يعانيه كثير من الناس من ضعف الإيمان ، مع بيان الأسباب والعلاج ، ولا مزيد عليها إن شاء الله فننصحكِ بقراءتها ، وهذا رابطها :

/books/dofuleemanhttps://islamqa.info/arabic.html

وثمة نصيحتان من كبار أهل العلم تضاف إلى ما سبق ، وتختصر لكِ المراد منكِ : فانظريهما في جواب السؤال رقم ( 14041 ) .

ومن المهم أن تبحثي عن أخوات صالحات مستقيمات ؛ لتصاحبيهن ، فيدللنك على الطريق الصحيح في التعامل مع الزوج ، ولتتقوي بهن في طلب العلم ، وأداء الطاعات ، فالمؤمن قوي بأخيه .

5. وعدم إعطائك زوجك حقَّه من التجمل والتزين هو مما يوجب الإثم عليك ، فاحذري أن تقعي فيما يسخط الله عليك ، وليس انشغالك بالمسئوليات وأعمال البيت ورعاية الولد بعذرٍ ، ونحن نجزم أن الأمر لو كان عليك صعباً وشديداً ، لكان زوجك معيناً لك ، وصابراً على التقصير في حقه ، لكننا لا نرى لك عذراً في ذلك التقصير ، ومهما بلغت الأعذار عند الزوجة فإن مصيرها النوم بجانب زوجها ، فما الذي يمنعها من التزين له وإعطائه حقه ، بحسن الكلام وجميل الفعال؟ .

وفي " الموسوعة الفقهية " ( 11 / 271 ) :

من حقوق الزوج على زوجته : أن تتزين له بالملبس والطِّيب ، وأن تُحسن هيئتها ، وغير ذلك مما يرغِّبه فيها ، ويدعوه إليها ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال : قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَيْرُ النِّسَاءِ الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ ، وَلاَ تُخَالِفُهُ فِيمَا يَكْرَهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ ) - رواه النسائي ( 3131 ) ، وصححه الألباني في " صحيح النسائي " - فإنْ أَمَر الزوجُ زوجتَه بالتزين فلم تتزين له : كان له حق تأديبها ؛ لأن الزينة حقه .

انتهى

وفي جواب السؤال رقم ( 10680 ) تجدين تفصيلاً وافياً حول حقوق الزوج على زوجته ، وحقوق الزوجة على زوجها .

6. وأخيراً :

إذا كان زوجك طيِّباً – كما تقولين – فإن صبره عليك قد ينفد ، وقد يتخذ من الأفعال ما قد تندمين عليه ، ونعني به : الإساءة إليك ، أو تطليقك ، أو التزوج عليك ، فاحذري من عواقب سوء عشرتك له ، وبادري إلى التوبة أولاً ، ثم إلى إصلاح حالك معه ، وإلى الاعتذار منه على ما بدا منك ، مع العزم الأكيد على تغيير حياتك للأفضل فيما بينك وبين ربك أولاً بالالتزام بالواجبات والإكثار من الطاعات ، وفيما بينك وبينه ثانياً لتقوم حياتكما على المودة والرحمة ، وتساهما في تربية ذرية صالحة .

ونسأل الله أن يوفقك لما فيه مرضاته ، وأن يصلح حالك وبالك .

وننصحك بمراجعة كتاب أربعون نصيحة لإصلاح البيوت

والله أعلم