عنوان الفتوى : من واجب الداعية الابتعاد عن مواطن الفتن وعما يثير الغرائز
أعرف شابا متفقها في الدين ويقوم بعمل دعوي، ولكن يكثر من معرفة الفتيات ومصادقتهن ويقوم بأفعال تستدل منها الفتاة على أنه معجب بها, فإن أبدت له الفتاة إعجابا قال أنا لم أقصد شيئا وأتصرف على طبيعتي ومن يفهمني خطئا فليس ذلك ذنبي، أليس الإسلام يضبط سلوك الإنسان ويحاسب الفرد على فعله، لا بل على كل كلمة وكل نظرة؟ فهل يجوز في الإسلام أن يتصرف على طبيعته وإن اختلى بصديقته على الهاتف ساعات أو على الشات أو خرجوا سويا؟ وهل لا يحاسبه الله إن تسبب في جرح مشاعر فتاة بسبب كلماته أو تصرفاته الموهمة؟ ألا يقول الله تعالى: فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض. ويقول: وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن. أي أن الله يحاسب الفتاة على قولها وفعلها وينبه على الحرص في عدم حصول لبس وغلط، فهل يحاسب الله الرجل بالمثل؟ وهل فعل شيء من ذلك يغضب الله ويأثم صاحبه عليه؟ أحب هذا الشاب في الله، ولكن أستغرب تهاونه في أمر مثل هذا. أرجو الإفتاء.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن هذه التصرفات التي تصدر من هذا الرجل تنافي ما ينبغي أن يكون عليه طالب العلم والداعي إلى الله جل وعلا من توقير أوامر الله والبعد عن مواطن الشبهات, فالواجب عليه أن يتقي الله ربه وأن يسد باب الفتنة، وأن يمتنع تماما عن مواطن الفتن وكل ما يثير الغرائز، وأن يتذكر أن أضر فتنة على الرجل هي في النساء، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.
وروى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.
ولهذا أمر الله بغض البصر وحفظ الفرج، قال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ.
{ النور: 30 }.
وقد شرع العليم الخبير أحكاماً في علاقة الرجل بالمرأة الأجنبية ووضع لها حدوداً وآداباً تضمن عفة المجتمع وصيانة الأعراض، وتحافظ على طهارة القلوب وتسدّ أبواب الفتن، وهذه الفتن لا ينبغي لأحد أن يأمنها على نفسه، فلربما فتن الصالح العابد بنظرة، ولهذا جاء التحذير من النظر، والأمر بغض البصرعام لجميع المؤمنين دون تفريق بين صالح وطالح، ومستقيم ومنحرف، وتوجه الخطاب أولاً لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أنهم أعظم الناس إيماناً ويقيناً وثباتاً.
وقد جاء الشرع بسدّ الذرائع المؤدية إلى الحرام، ومن ذلك أن الكلام بين الرجل والمرأة الأجنبية لا يكون إلا عند الحاجة المعتبرة شرعاً مع مراعاة آداب الشرع، وذلك لأنّ الكلام معها بغير حاجة ذريعة إلى الوقوع في الحرام في بعض الاحيان.
ولا يجوز للأجنبي أن ينظر إلى الأجنبية ولا أن يخلو بها في مكان لا تُؤمَن فيه الريبة، ولا يجوز له ـ أيضاً ـ أن يباسطها في الكلام لغير حاجة، فإذا دعت الحاجة إلى المحادثة والمخاطبة بين الرجل والمرأة الأجنبيين يكون ذلك بقدر الحاجة ومع الحشمة والأدب وغض البصر، وعدم الخضوع بالقول، ولا مانع من أن تجيب المرأة على الهاتف بالضوابط التي سلفت، كما سبق ذلك ـ أيضاً ـ في الفتوى رقم: 59279.
وإن من المخاطر العظيمة عمل الرجل ما يثير النساء ويعلق قلوبهن بالرجال، فقد خلق الله الذكر والأنثى وجعل في طبع وفطرة كل منهما الميل للآخر لحكم يعلمها سبحانه، وكما يخشى على الرجال من فتنة النساء يخشى على النساء من الافتتان بالرجال ولذا، أمر الله النساء بغض البصر عن الرجال، كما في آية سورة النور.
وانظري الفتاوى التالية أرقامها: 21582، 3672، 10271.
وقد سبق أن بينا حكم إعجاب المرأة برجل أجنبي عنها وما يتبع ذلك من حب له أو ميل قلبي تجاهه، وذلك في الفتوى رقم: 76936، وما أحيل عليه فيها من فتاوى.
ولتحرص المسلمة على كبح عواطفها وعدم الاسترسال مع الخواطر والتصورات الخاطئة، فإن العلماء يقولون: حارب الخاطرة قبل أن تكون فكرة، وحارب الفكرة قبل أن تكون عملاً، وحارب العمل قبل أن يصبح عادة وسلوكاً.
وقال ابن القيم: قاعدة في ذكر طريق يوصل إلى الاستقامة في الأحوال والأقوال والأعمال: وهي شيئان: أحدهما: حراسة الخواطر وحفظها والحذر من إهمالها والاسترسال معها، فإن أصل الفساد كله من قبلها يجيء لأنها هي بذر الشيطان والنفس في أرض القلب، فإذا تمكن بذرها تعاهدها الشيطان بسقيه مرة بعد أخرى حتى تصير إرادات، ثم يسقيها بسقيه حتى تكون عزائم، ثم لا يزال بها حتى تثمر الأعمال.
والأولى في الأمور الدعوية والتعليمية أن ترشد الفتيات إلى الارتباط والاتصال بالأخوات المهتديات المتمسكات بدينهن، وأن يلتففن حول إحدى الداعيات الفاضلات المعروفات بالتزام منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والعمل، فإن لم يتيسر ذلك ولم يكن بد من تواصل معهن، فنوصي الدعاة الرجال بالقيام بالواجب مع التمسك بالالتزام بالآداب الشرعية، ومنها: غض البصر، وأن يكون الكلام بينه وبينهن على قدر الحاجة، وليلتزمن الحجاب الشرعي، فلا يبدو منهن ما أمر الشرع بستره.
وأما الحوارات على النت أو بالهاتف: فإن كان الهدف منها تعليم الخير والتواصي بالحق والتواصي بالصبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك من خصال الخير، فهي مشروعة، وما كان من أجنبيين أو أجانب، فإنه يجوز مع الالتزام بالضوابط الشرعية، وعدم الخضوع بالقول، والاقتصار على الحاجة ـ كما أسلفنا.
وإن كانت تؤدي إلى الخضوع بالقول الحرام أو المحادثات المريبة بين الرجال والنساء أو الرؤية لما لا تحل رؤيته، أو تثير شيئاً من دواعي الفتنة، فإنها تكون بذلك حراماً، وبهذا يعلم أن للوسائل حكم المقاصد، كما قال أهل العلم، فإن استعملت في واجب كانت واجبة، وإن استعملت في حرام كانت حراماً، ولا بد من التأكد من أمن الفتنة، فمن خاف على نفسه الفتنة حرم الاستماع والكلام، لأن من مقاصد الشريعة سد الذرائع التي توصل إلى الحرام، وقد نص الفقهاء ـ رحمهم الله ـ على المنع من التكلم مع المرأة الشابة خشية الفتنة، وهذا ما لم يكن هناك ضرورة أو حاجة للكلام، قال العلامة الخادمي ـ رحمه الله ـ في كتابه: بريقة محمودية ـ وهو حنفي: التكلم مع الشابة الأجنبية لا يجوز بلا حاجة، لأنه مظنة الفتنة.
وقال صاحب كشاف القناع ـ من الحنابلة: وإن سلم الرجل عليها - أي على الشابة - لم ترده دفعا للمفسدة.
والله أعلم.