عنوان الفتوى : الحكمة في أن الطفل إذا مات يدخل الجنة مباشرة بينما بقية الناس يحاسبون

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أين يكمن العدل في أن الطفل إذا مات يدخل الجنة مباشرة بينما بقية الناس يحاسبون ؟ .

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله

أولاً:

لا يشك مسلم أن الله سبحانه وتعالى هو أرحم الراحمين ، وأحكم الحاكمين ، وأعدل العادلين , وأنه تعالى لكمال عدله حرم الظلم على نفسه فقال : ( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) الكهف/ من الآية 49 ، وقال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ) النساء/ من الآية 40 .

ومن كمال عدله تعالى : أنه لا يعذب أحداً إلا بعد البلاغ ، وقيام الحجّة عليهم .

وانظر في ذلك جواب السؤال رقم : ( 1244 ) .

ثانياً:

اتفق أهل السنة والجماعة على أن أطفال المسلمين في الجنة ، وتقدم الحديث عن ذلك ، فانظره في جواب السؤال رقم : ( 117432 ) .

ثالثاً:

من أصول الإيمان التي لا خلاف فيها بين الأمة ، ولا تردد أو تلجلج فيها : ألا يعترض العبد على أحكام ربه عز وجل ، ولا يتوقف في الشهادة لها بأن فيها الحكمة البالغة ، وحينذٍ فإنه لا يصير من المخاطبين بقوله تعالى : ( لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) الأنبياء/ 23 .

قال ابن كثير – رحمه الله - :

ثم أخبر تعالى أنه لا يظلم أحداً شيئًا ، وإن كان قد هدى به من هدى من الغيِّ ، وبصَّر به من العمى ، وفتح به أعيناً عمياً ، وآذاناً صمّاً ، وقلوباً غُلفاً ، وأضلَّ به عن الإيمان آخرين ، فهو الحاكم المتصرف في ملكه بما يشاء ، الذي لا يُسْأل عما يفعل وهم يسألون ، لعِلمه ، وحكمته ، وعدله .

" تفسير ابن كثير " ( 4 / 271 ) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَهُوَ سُبْحَانَهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ ، وَلَهُ فِيمَا خَلَقَهُ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ، وَنِعْمَةٌ سَابِغَةٌ ، وَرَحْمَةٌ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ ، وَهُوَ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ؛ لَا لِمُجَرَّدِ قُدْرَتِهِ وَقَهْرِهِ ، بَلْ لِكَمَالِ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ ، وَرَحْمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ . فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ، وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، وَهُوَ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا ، وَقَدْ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ " انتهى .

"مجموع الفتاوى" (8/79) .

ثالثاً:

وأما الحكمة من عدم محاسبة الأطفال فيقال فيها :

1. إن مناط التكليف عند الله هو البلوغ , ولذلك جاء في الحديث عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَكْبَرَ ) .

رواه أبو داود ( 4398 ) وابن ماجه ( 2041 ) والنسائي ( 3432 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

وهذا الطفل اخترمته المنية قبل البلوغ , فمن تمام عدل الله أنه لا يحاسَب .

ويبين ما ذهب طائفة من العلماء والمحققين – كالبخاري ، والنووي ، وغيرهما – من أن هذا الحكم مشترك مع أطفال المشركين كذلك – ولتنظر المسألة في جوابي السؤالين : ( 6496 ) ( 118103 ) .

2. الأصل أن الأطفال تبع لوالديهم ، كما جاء في الحديث عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ) .

ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) . رواه البخاري ( 1293 ) .

ولما كان والداه على الإيمان – أو والده إن كانت أمُّه كتابية - : فهو تبع لهما , ولما مات قبل مناط التكليف ناسب أن يدخل الجنة بلا حساب ، فدخوله الجنة باعتباره مسلماً ، وعدم حسابه باعتبار أنه لم يكن مكلَّفاً في الدنيا .

3. أن فيه كرامة لوالدي الطفل الصغير ، ورحمة بهم , وتطييباً لخاطرهم ، على موت ولدهم وهو صغير .

هذه بعض الحِكَم , والأمر قد يحتمل وجود حكَم ، وغايات ، ومقاصد أخرى .

والله أعلم