عنوان الفتوى : توبة الزاني المحصن وهل يشترط لقبولها أن يقام الحد عليه
الإخوة الأعزاء: أنا رجل متزوج، وأعمل في إحدى دول الخليج العربي، زوجتي غير مقيمة معي في هذا البلد، بل هي مقيمة في بلدي الأصلي لأمور تتعلق بالوضع المادي. تعرفت من خلال عملي على امرأة كافرة من جنسية غربية، وقد زنيت بها أكثر من ثماني مرات وأريد أن أتوب. هل يطبق علي حكم الزاني المحصن أم لا؟ هل تقبل توبتي أم يجب إقامة الحد علي وهو الرجم بالحجارة حتى الموت؟ وهل تقبل توبتي؟ وهل ينطبق علي الحديث الشريف: بشر الزاني بالفقر. هل سأبقى فقيرا طوال حياتي؟ أرجوكم أفيدوني بالله عليكم. فإني أعاني من أزمات نفسية بسبب ذلك، والشيطان يقول لي لن تقبل توبتك إلا بالموت.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالزنا من أفحش الذنوب، ومن أكبر الكبائر التي تجلب غضب الله، وإذا كان من محصن فهو أشد إثما وأعظم جرماً، والمحصن هو المسلم البالغ العاقل الذي دخل بزوجته في نكاح صحيح، ولا يشترط بقاء الزوجية فلو دخل بزوجته ثم طلقها أو ماتت فقد ثبت له حكم الإحصان.
وعقوبة الزاني المحصن إذا ثبت زناه ببينة أو اعتراف عند الحاكم الرجم بالحجارة حتى الموت، ولو أنّك تأملت في هذه العقوبة وتلك القتلة التي اختارها الشرع للزاني المحصن مع أنّ الشرع قد أمر بإحسان القتلة ولو لكافر بل ولو لأخس حيوان مأذون في قتله، فإذا تأملت ذلك بالإضافة إلى ما أعده الله للزناة في الآخرة من عذاب وخزي، علمت فداحة تلك المعصية وبشاعة تلك الجريمة.
قال ابن القيم رحمه الله: فأما سبيل الزنى فأسوأ سبيل، ومقيل أهلها في الجحيم شر مقيل، ومستقر أرواحهم في البرزخ في تنور من نار يأتيهم لهبها من تحتهم، فإذا أتاهم اللهب ضجوا وارتفعوا ثم يعودون إلى موضعهم فهم هكذا إلى يوم القيامة، كما رآهم النبي في منامه، ورؤيا الأنبياء وحي لا شك فيها، ويكفي في قبح الزنى أن الله سبحانه وتعالى مع كمال رحمته شرع فيه أفحش القتلات وأصعبها وأفضحها، وأمر أن يشهد عباده المؤمنون تعذيب فاعله. اهـ من روضة المحبين.
لكن رغم ذلك فإن من سعة رحمة الله وعظيم كرمه أنه مهما عظم الذنب أو تكرر من العبد فإن الله بعفوه وكرمه يقبل توبته، بل إن الله يفرح بتوبة العبد ويحب التوابين ويبدل سيئاتهم حسنات، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ {البقرة: 222} قال ابن كثير: أي: من الذنب وإن تكرر غشْيانه. تفسير ابن كثير. (1/588).
لكن التوبة لها شروط لا تقبل بدونها، وهي الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العود إليه، وليس من شرط التوبة أن يقام الحد على المذنب، بل إنه إذا كان الأمر لم يرفع إلى الحاكم، فالذي ينبغي على المذنب أن يستر على نفسه ولا يفضحها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:... أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ. رواه مالك في الموطأ.
فعليك أن تستر على نفسك، ولا تخبر أحداً بتلك المعصية، واجتهد في تحقيق التوبة والإكثار من الأعمال الصالحة والحسنات الماحية، واعلم أنّ من صدق التوبة أن يجتنب العبد أسباب المعصية و يقطع الطرق الموصلة إليها ويحسم مادة الشر، ولا شكّ أنك وقعت فيما وقعت فيه لتفريطك وتهاونك في حدود الله في شأن التعامل مع النساء، فعليك أن تقف عند حدود الله، فتغض بصرك عن الحرام، وتجتنب الخلوة بالنساء غير المحارم والكلام معهن بغير حاجة، واحذر من استدراج الشيطان واتباع خطواته، وإذا كنت لا تصبر على البعد عن زوجتك، فإما أن تستقدمها إليك، وإما أن تعود إليها حفاظاً على دينك، حتى وإن كان ذلك على حساب التضحية بشيء من الدنيا، فإن سلامة الدين مقدمة على سلامة الدنيا، وخسارة الدنيا أهون من خسارة الآخرة.
والله أعلم.