عنوان الفتوى : موقف الأم من ابنتها إن عصتها وتركت الحجاب والصلاة

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

أنا أم لابنتين 11سنة و 13سنة، حرصت منذ أن بلغت كل واحدة منهما ال7سنوات على تعليمها الصلاة والمحافظة على أوقاتها وحب التقرب من الله بشتى الطرق(حكايات, مواقف..). علما أنني ملتزمة بالصلاة و الحجاب الشرعي رغم كل المصاعب التي واجهتها حيث إني من بلد مسلم لكن يمنع الحجاب الصحيح، أما الحجاب 'المتبرج' فلا بأس منه. ابنتاي استجابتا في البداية لدرجة كبيرة مما جلب إلينا انتباه الكل و ربما حسد الحاسدين. ولكن عندما كبرتا وبحكم خروجهما إلى الشارع والاحتكاك بالأخريات تغيرتا كثيرا وأتعبتاني في أمر الصلاة حيث إنهما لا تصليان إلا غصبا عنهما وتحت التهديد أيضا، صلاتهما لا خشوع فيها ولا تمت للصلاة بصلة. من ناحية أخرى ابنتي الكبرى لبست الحجاب عند بلوغها ثم وبعد مضي عام تقريبا أخبرتني أنها لا تلبسه تقربا من الله ولكن خوفا مني فقط وهي تريد نزعه. عند ما علمت ذلك أصبت بإحباط وأزمة نفسية، تعبت كثيرا لأن آمالي تحطمت زيادة عن غضب الله وعقابه. أمرني الطبيب أن أبتعد على كل ما يوترني علما أني مصابة بأمراض عصبية من قبل وأتعاطى الأدوية منذ 8سنوات حيث إني أشكو من عاهات خلقية في الدماغ. في النهاية نزعت ابنتي الحجاب وهي لا تصلي. أنا حزينة الآن وليس لدي إلا الدعاء والتضرع إلى الله. أنا خائفة جدا وأشعر بالحسرة ولا أستطيع إرغام ابنتي على الحجاب مرة أخرى لأني سأدخل في صراع جديد وتتدهور حالتي دون جدوى. أعرف جيدا قيمة الصلاة و الحجاب وأعلم عقوبة تركهما. سؤالي تحديدا هو: ما هي مسؤوليتي أمام الله؟ وهل سأحاسب على ترك ابتني الصلاة والحجاب بالرغم من أني لم ولن أستسلم وأني سأواصل الموعظة و النصيحة والتخويف من (عقاب الله أحيانا) بإذن الله إلا أنني لن أرغمهما لأنه لا فائدة من القيام بأي طاعة خوفا مني أو لأجل مكافأة ما كما كنت أفعل حتى لا اخسرهما للأبد. من ناحية وكي أحافظ على صحتي من ناحية أخرى ؟ فهل ما أفعله صحيح ويخلص ذمتي أمام الله؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله سبحانه لك العافية والشفاء وأن يهدي ابنتيك إلى صراطه المستقيم ويصرف عنهما كيد شياطين الجن والإنس إنه سبحانه كريم.

وعليك أيتها السائلة أن تداومي على ما أنت عليه من الدعاء والتضرع إلى الله جل وعلا أن يهدي ابنتيك وأن يأخذ بنواصيهما إليه، وأن يحبب إليهما الإيمان ويزينه في قلوبهما ويكره إليهما الكفر والفسوق والعصيان فإنه سبحانه كريم ومفاتيح القلوب بيده وحده, وقد قال سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ. {القصص: 56}.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في "أضواء البيان": ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن نبيه صلى الله عليه وسلم لا يهدي من أحب هدايته، ولكنه جل وعلا هو الذي يهدي من يشاء هداه، والآية نزلت في أبي طالب أحب النبي صلى الله عليه وسلم هدايته ولكن الله لم يقدرها له. انتهى.

واعلمي أنك ما دمت قد قمت بواجب النصح والوعظ لابنتيك هاتين وبذلت وسعك وطاقتك في نهيهما عما يفعلانه من المنكر ولم يستجيبا فقد برئت ذمتك، ولن يكون عليك إن شاء الله شيء من وزرهما فإن مما تقرر في شريعة الله سبحانه أنه لا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ولا يحاسب عبد إلا بما اكتسب .

لكنا ننبهك على أنه إذا كان بوسعك أن ترغميهما على الصلاة والحجاب فعليك أن تفعلي ذلك فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. كما في المسند وصحيح مسلم والسنن.

ولكن بشرط ألا يؤدي هذا إلى مفسدة عظيمة أو يلحق بك ضررا في بدنك وصحتك ونحو ذلك, فحينئذ يسقط عنك فرض التغيير, لكن يبقى عليك أن تظهري لهما كراهتك لما هما عليه ولو بالهجر, فقد اتفق العلماء رحمهم الله على سنية هجر المجاهرين بالمعاصي - وإن كانوا من ذوي القربى- واختلفوا في فرضيته ووجوبه وقد حكى ابن عبد القوي هذا الخلاف في قوله:

وهجران من أبدى المعاصي سنة    *  وقد قيل إن يردعه أوجب وآكد

وقيل على الإطلاق ما دام معلنـــا   *  ولاقه بوجه مكفهر مربــــــــــد

فلم يَذكر – رحمه الله - خلافاً في سُنِّية هجْرِ العَاصي الْمُجَاهر بالمعصية سَواء ارتـدع أو لَمْ يرتدع, وإنما الخلاف في الوجوب هل هو على الإطلاق أم إذا كان العاصي يرتدع به؟.

وفي صحيح مسلم: أن قريباً لعبد الله بن مغفل خَذَف فنهاه فقـال : إنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم –  نهى عن الْخَذْف وقال :  إِنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْدًا وَلاَ تَنْكَأُ عَدُوًّا وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ، قال: فعاد، فقال: أحدثك أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نهى عنه ثم عُدْتَ تخذف، لا أكَلِّمك أبداً.

قال النووي  في كلامه على حديث عبد الله بن مغفل: في هذا الحديث هجران أهل البدع والفسوق ومُنَابِذِي السنة مع العلم، وأنه يجوز هجرانه دائماً ؛ والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا، وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائماً، وهذا الحديث مِمَّا يؤيده مع نظائر له كحديثِ كعب بن مالك وغيره. انتهى.

قال ابنُ حَجَر في الفتح: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلى أنه لا يُسَلَّم على الْمُبتَدِع ولاَ الفاسق. انتهى .

وقال الْمُهَلب: تَرْكُ السَّلاَمِ على أهلِ الْمَعَاصِي سُنَّة مَاضية، وبه قال كَثير من أهلِ العِلْمِ في أهل البِدَع.

وروى البخاري في الأدب المفرد عن الحسن قال : ليس بينك وبين الفاسق حرمة.

قال الشيخ الألباني: صحيح.

وهذا كله عند اليأس من استقامتهما أما إذا رجوت هدايتهما فعليك باستئلافهما مع مداومة الدعاء والنصيحة.

أما إن أمنت حدوث مفسدة عظيمة فعليك أن ترغميهما على الصواب وإن كرهتا, وكم من أمر أكره عليه صاحبه ففعله كرها ثم لم يلبث أن شرح الله صدره للإيمان, وفي الحديث الصحيح قال الرسول – صلى الله عليه وسلم - : عجب ربنا – عز وجل – من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل. رواه البخاري وأحمد وأبو داود.

جاء في فتح الباري - ابن حجر: المعنى يقادون إلى الإسلام مكرهين فيكون ذلك سبب دخولهم الجنة. انتهى.

وفي شرح صحيح البخارى ـ لابن بطال: يدخلون الإسلام مكرهين ، وسمى الإسلام باسم الجنة ؛ لأنه سببها ومن دخله دخل الجنة. انتهى.

والله أعلم.