عنوان الفتوى : التعامل مع الكمبيوتر في ميزان الشرع
ما حكم الجلوس على جهاز الكمبيوتر لمدة 3 ساعات يوميا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الكمبيوتر آلة عظيمة النفع أنعم الله بها علينا، والأصل في استعماله الإباحة ولكنا ننبه على أمرين هامين:
الأمر الأول: أن التعامل مع الكمبيوتر وإن كان الأصل فيه الإباحة فإنه قد يعرض له حكم من الأحكام التكليفية الأربعة الباقية وهي الوجوب والندب والكراهة والتحريم.
فيكون واجبا إذا تعين وسيلة لفعل واجب كتعلم علم واجب كفروض الأعيان أو علم كفائي تعين على الشخص ونحو ذلك. وكذا استعماله في الدعوة إلى الله سبحانه أو أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، أو تعليم الناس الإسلام إذا وجب ذلك على الشخص وتعين الجهاز وسيلة إليه.
ويكون مندوبا إذا كان عمله فيه لأداء مندوب من دعوة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر في حال لم تتعين هذه الأمور على الشخص بأن كانت مستحبة له، ويدخل في ذلك تعلم العلم المندوب من العلوم النافعة سواء كانت شرعية أو غير شرعية إذا لم تجب على الشخص.
ويكون محرما إذا استخدمه الشخص في استعمال محرم كمشاهدة الصور المحرمة واستعماله في نشر الضلال والصد عن سبيل الله وكل تعاون على الإثم والعدوان.
ويكون مكروها إذا استعمل في فعل مكروه يؤدي إلى إضاعة الأوقات وعدم الاستفادة منها.
الأمر الثاني: أن المداومة على فعل الشيء لها أثر في الحكم الشرعي، فإن الشيء قد يكون مباحا ثم بالمداومة عليه يتحول إلى مكروه أو ممنوع، والشيء قد يكون مكروها ثم بالمداومة عليه يتحول إلى محرم وهكذا.
يقول الشاطبي في الموافقات: والمباح قد يكون مباحا بالجزء، منهيا عنه بالكل على جهة الكراهة أو المنع، فالأول المنهي عنه بالكل على جهة الكراهة كالتنزه في البساتين، وسماع تغريد الحمام، والغناء المباح، واللعب المباح بالحمام، أو غيرها؛ فمثل هذا مباح بالجزء، فإذا فعل يوما ما، أو في حالة ما، فلا حرج فيه, فإن فعل دائما كان مكروها، ونسب فاعله إلى قلة العقل, وإلى خلاف محاسن العادات، وإلى الإسراف في فعل ذلك المباح، والثاني وهو ما كان مباحا بالجزء منهيا عنه بالكل على جهة المنع كالمباحات التي تقدح في العدالة المداومة عليها وإن كانت مباحة؛ فإنها لا تقدح إلا بعد أن يعد صاحبها خارجا عن هيئات أهل العدالة، وأجري صاحبها مجرى الفساق، وإن لم يكن كذلك، وما ذلك إلا لذنب اقترفه شرعا، وقد قال الغزالي: إن المداومة على المباح قد تصيره صغيرة، كما أن المداومة على الصغيرة تصيرها كبيرة. ومن هنا قيل: لا صغيرة مع الإصرار. انتهى بتصرف.
ويقول أيضا في كتابه : إذا كان الفعل مكروها بالجزء كان ممنوعا بالكل، كاللعب بالشطرنج والنرد بغير مقامرة، وسماع الغناء المكروه، فإن مثل هذه الأشياء إذا وقعت على غير مداومة، لم تقدح في العدالة، فإن داوم عليها، قدحت في عدالته، وذلك دليل على المنع بناء على أصل الغزالي، قال محمد بن عبد الحكم في اللعب بالنرد والشطرنج: إن كان يكثر منه حتى يشغله عن الجماعة لم تقبل شهادته، وكذلك اللعب الذي يخرج به عن هيئة أهل المروءة، والحلول بمواطن التهم لغير عذر، وما أشبه ذلك. انتهى.
ومن هنا ينبغي التنبه إلى أن اللهو بالكمبيوتر في الأمور المباحة لا ينبغي المداومة عليه هكذا وإلا خرج الأمر عن حيز الإباحة إلى الكراهة أو الحرمة على حسب الحال، ويكفي في ذلك ما فيه من إضاعة الأوقات فيما لا يفيد في معاش ولا معاد وهو مذموم وإن كان في مباح.
يقول الشاطبي في الموافقات: وكذلك اللهو واللعب والفراغ من كل شغل إذا لم يكن في محظور ولا يلزم عنه محظور فهو مباح، ولكنه مذموم ولم يرضه العلماء، بل كانوا يكرهون أن لا يرى الرجل في إصلاح معاش، ولا في إصلاح معاد، لأنه قطع زمان فيما لا يترتب عليه فائدة دنيوية ولا أخروية، وفي القرآن: وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا. {الإسراء: 37}. إذ يشير إلى هذا المعنى. انتهى.
والله أعلم.