عنوان الفتوى : متى يعرف الكافر مصيره
سؤالي هو نحن نعلم أن المسلم يعرف مصيره ولكن الكافر لا يعرف أي شيء عن المستقبل أي بعد موته. هل الكافر سيتفاجأ بعد الموت مما يراه؟ أم انه يعلم أن الله حق بعد ذلك؟ والآن الكافر أصلا لا يعرف ما هدفه في هذه الدنيا، ماذا سيشعر هذا الكافر؟ وسؤال آخر لماذا يلحد الملحد هل لسبب نفسي؟ وشكرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الكافر وغيره يعرف مصيره ويتيقنه وهو في ساعة الاحتضار، أي وهو في سكرات الموت.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا {الفرقان:22} وذلك يَصْدُق على وقت الاحتضار حين تبشرهم الملائكة بالنار، وغضب الجبار، فتقول الملائكة للكافر عند خروج روحه: اخرجي أيتها النفس الخبيثة في الجسد الخبيث، اخرجي إلى سَموم وحَميم، وظلِّ من يحموم. فتأبى الخروج وتتفرق في البدن، فيضربونه، كما قال الله تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ {الأنفال:50}. وقال: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أي: بالضرب، أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ {الأنعام: 93}.
ومنذ ذلك الوقت تتوالى عليهم المفاجئات من عذاب الله وسخطه حتى قيام الساعة ودخولهم النار. وفي ذلك يقول الله عز وجل: قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ {يس:52}
ويقول سبحانه: وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ{الزمر:47}.
قال مقاتل: ظهر لهم حين بعثوا ما لم يحتسبوا في الدنيا أنه نازل بهم في الآخرة. قال السدي: ظنوا أنها حسنات فبدت لهم سيئات، والمعنى: أنهم كانوا يتقربون إلى الله بعبادة الأصنام، فلما عوقبوا عليها بدا لهم من الله ما لم يحتسبوا. تفسير البغوي.
والكفر عموما سواء كان بإنكار وجود الخالق أم بإنكار دين الإسلام أم بغير ذلك له عدة أسباب:
قال ابن القيم: والأسباب المانعة من قبول الحق كثيرة جدا، فمنها: الجهل به وهذا السبب هو الغالب على أكثر النفوس فان من جهل شيئا عاداه وعادى أهله.
فإن انضاف إلى هذا السبب بغض من أمره بالحق ومعاداته له وحسده كان المانع من القبول أقوى.
فإن انضاف إلى ذلك إلفه وعادته ومرباه على ما كان عليه آباؤه ومن يحبه ويعظمه قوى المانع.
فإن انضاف إلى ذلك توهمه أن الحق الذي دعي إليه يحول بينه وبين جاهه وعزه وشهواته وأغراضه قوى المانع من القبول جدا.
فإن انضاف إلى ذلك خوفه من أصحابه وعشيرته وقومه على نفسه وماله وجاهه كما وقع لهرقل ملك النصارى بالشام على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ازداد المانع من قبول الحق قوة. فإن هرقل عرف الحق وهم بالدخول في الإسلام فلم يطاوعه قومه وخافهم على نفسه فاختار الكفر على الإسلام بعد ما تبين له الهدى. اهـ من هداية الحيارى.
وبخصوص الإلحاد فقد يكون من أسبابه ما هو نفسي مثل:
1- هوى النفس في أن تتحلل من القيود والتكاليف فتنساق وراء شهواتها وغرائزها بلا ضوابط ولا محاسبة.
2- تهربه من صراعاته الداخلية وتأنيب ضميره وخوفه من الله، فيخادع نفسه بالتفكير في إنكار وجوده ليستريح.
3- قد يكون رد فعل لواقع مرير تعرض له، كظلم قد وقع عليه ممن يستغل الدين لتبريره، أو تربية قهرية خاطئة سببت كراهيته للتكاليف الشرعية.
والله أعلم.