عنوان الفتوى : معنى تسبيح الجمادات
المعروف أن جميع خلايا جسم الإنسان تسبح للخالق سواء كان الشخص مؤمنا أو كافرا، عند رمي الكافر في النار تحرق معه خلاياه مع العلم أنها كانت تسبح لله. هل من تفسير؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمبنى هذا الإشكال على فهم المقصود بالتسبيح المنسوب لأعضاء الكفار وخلايا أجسامهم، وأن ذلك كان طوعا منها، وهذا ليس بصحيح.
قال ابن حزم في (الفصل): التسبيح عندنا إنما هو قول: سبحان الله وبحمده. وبالضرورة نعلم أن الحجارة والخشب والهوام والحشرات والألوان لا تقول: سبحان الله. بالسين والباء والحاء والألف والنون واللام والهاء، هذا ما لا يشك فيه من له مسكة عقل، فإذ لا شك في هذا فباليقين علمنا أن التسبيح الذي ذكره الله تعالى هو حق، وهو معنى غير تسبيحنا نحن بلا شك، فإذ لا شك في هذا فإن التسبيح في أصل اللغة وهو تنزيه الله تعالى عن السوء، فإذ قد صح هذا فإن كل شيء في العالم بلا شك منزه لله تعالى عن السوء الذي هو صفة الحدوث وليس في العالم شيء إلا وهو دال بما فيه من دلائل الصنعة واقتضائه صانعا لا يشبه شيئا مما خلق، على أن الله تعالى منزه عن كل سوء ونقص، وهذا هو الذي لا يفهمه ولا يفقهه كثير من الناس. كما قال تعالى: ولكن لا تفقهون تسبيحهم. فهذا هو تسبيح كل شيء بحمد الله تعالى بلا شك، وهذا المعنى حق لا ينكره موحد .. وأيضا فإن الله تعالى يقول: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) والكافر الدهري شيء لا يشك في أنه شيء، وهو لا يسبح بحمد الله تعالى البتة، فصح ضرورة أن الكافر يسبح إذ هو من جملة الأشياء التي تسبح بحمد الله تعالى، وأن تسبيحه ليس هو قوله: سبحان الله وبحمده. بلا شك، ولكنه تنزيه الله تعالى بدلائل خلقه وتركيبه عن أن يكون الخالق مشبها لشيء مما خلق، وهذا يقين لا شك فيه، فصح بما ذكرنا أن لفظة التسبيح هي من الأسماء المشتركة وهي التي تقع على نوعين فصاعدا .. اهـ.
ونقل القاسمي في (محاسن التأويل) كلام ابن حزم هذا، ثم قال: ومحصله نفي أن يكون للجمادات تسبيح وتمييز بالمعنى الموجود في الإنسان. وهو حق لا شبهة فيه ولا يسوغ لأحد إنكاره. اهـ.
وهذا لا يبعد عن مدلول قوله تعالى: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ. {آل عمران: 83}.
قال ابن كثير: المؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله، والكافر مستسلم لله كرها، فإنه تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم الذي لا يخالف ولا يمانع. اهـ.
وقال السعدي: أي الخلق كلهم منقادون بتسخيره مستسلمون له طوعا واختيارا، وهم المؤمنون المسلمون المنقادون لعبادة ربهم، وكرها وهم سائر الخلق، حتى الكافرون مستسلمون لقضائه وقدره لا خروج لهم عنه، ولا امتناع لهم منه، وإليه مرجع الخلائق كلها، فيحكم بينهم ويجازيهم بحكمه الدائر بين الفضل والعدل. اهـ.
وكذلك قوله سبحانه: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا. {الرعد : 15}.
قال ابن كثير: يخبر تعالى عن عظمته وسلطانه الذي قهر كل شيء، ودان له كل شيء، ولهذا يسجُد له كلّ شيء طوعا من المؤمنين، وكرها من المشركين. اهـ.
ولهذا لما ذكر الله تعالى سجود الكائنات له طواعية، فصَّل في حال الناس فقال: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ. {الحج: 18}.
وقد سبق لنا بيان أن الكافر يسبح بلسان حاله لا بلسان مقاله، في الفتوى رقم: 94288.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 64815 ، 104030 ، 30800 .
والله أعلم.