عنوان الفتوى : إذا تزوجت المطلقة ثلاثا بنية أن تحل لزوجها الأول

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ارتكبت حماقة قبل خمس سنوات وطلقت ثلاث طلقات متباعدة بالمحكمة الشرعية لأسباب كانت مغلوطة .. وبعد الطلاق بيوم شعرنا أنا وزوجتي بالخطأ الكبير الذي اقترفنا بحق أنفسنا وأولادنا , ولم نترك باباً إلا وطرقناه لعلنا نجد وسيلة شرعية لنعود زوجيين وكل علماء الدين قالوا لا تعودون زوجين حتى تتزوجي من زوج آخر ويدخل بك وتُطلقي منه أو يتوفاه الله .. وأنا وهي نتحدث يوميا معا عبر الهاتف في شؤون الأولاد . هل إذا تزوجت بنية تحليل نفسها لي وأنا على علم بما تفعل من رجل دون ما اتفاق معه جائز؟ وهل إذا طلبت منه الطلاق بعد الدخول جائز أو إذا خلعت نفسها منه؟ ماذا نفعل لكي تعود الزوجة لزوجها ولمن تحب ويعود الأطفال لأبيهم ؟

مدة قراءة الإجابة : 9 دقائق

الحمد لله

إذا طلق الرجل زوجته ثلاثاً لم تحل له حتى تنكح زوجاً آخر ، نكاح رغبة لا نكاح تحليل ، ثم يفارقها ؛ لقوله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) البقرة/230 .

وروى أبو داود (2076) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ ) .

وصححه الألباني في سنن أبو داود .

وينظر جواب السؤال رقم (109245) .

وهذا التحليل إن صدر باتفاق من المطلق والزوجة والمحلل ، فأمره واضح ، أنه محرم ، وكبيرة من كبائر الذنوب ، وكذلك لو نواه المحلل من نفسه تبرعا ، فهو تحليل محرم عند جمهور الفقهاء .

واختلفوا فيما لو نوت المرأة بزواجها من الثاني التحليل دون علم من تزوجها ، وصورة ذلك أن تتزوج من الثاني بغرض التحليل ثم تدعوه للطلاق أو الفسخ لترجع إلى الأول ، فذهب جماعة من أهل العلم – وهو المصحح عند الحنابلة وقول الحسن وإبراهيم النخعي- إلى أن ذلك من التحليل المحرم ، فلا تحل لزوجها الأول في الباطن ، أي فيما بينها وبين ربها .

وذهب آخرون إلى أن نيتها لا تؤثر ، فإن طلقها الثاني حلت للأول ، وإليه ذهب المالكية والحنابلة .

والراجح هو القول الأول ؛ لأن فعلها ذلك تحايل على ما حرمه الشرع ، فإن الشرع منعها من الرجوع إلى الأول حتى يحصل النكاح الثاني المبني على الرغبة والتأبيد ، لا النكاح المؤقت التي يتوصل به إلى الرجوع للزوج الأول ، ولما في عملها هذا من غش الزوج الثاني وخداعه ، وإلحاق الضرر به غالبا ، فإنها قد لا تتوصل إلى الخلاص منه إلا بتنغيص عيشه والإساءة إليه حتى يطلقها أو يخلعها .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وقال الحسن والنخعي وغيرهما : إذا همّ أحد الثلاثة فهو نكاح محلل , ويروى ذلك عن ابن المسيب . ولفظ إبراهيم النخعي : إذا كانت نية أحد الثلاثة : (الزوج الأول ، أو الزوج الثاني ، أو المرأة) أنه محلل فنكاح هذا الأخير باطل ، ولا تحل للأول .

ووجه هذا : أن المرأة إذا نكحت الرجل وليست هي راغبة فيه فليست هي ناكحة كما تقدم , بل هي مستهزئة بآيات الله متلاعبة بحدود الله , وهي خادعة للرجل ماكرة به , وهي إن لم تملك الانفراد بالفرقة فإنها تنوي التسبب فيها على وجه تحصل به غالباً بأن تنوي الاختلاع منه وإظهار الزهد فيه وكراهته وبغضه , وذلك مما يبعثه على خلعها أو طلاقها , ويقتضيه في الغالب , ثم إن انضم إلى ذلك أن تنوي النشوز عنه , وفعل ما يكره لها , وترك ما ينبغي لها , فهذا أمر محرم وهو موجب للفرقة في العادة , فأشبه ما لو نوت ما يوجب الفرقة شرعا , وإن لم تنو فعل محرم ولا ترك واجب , فهي ليست مريدة له , ومثل هذه في مظنة أن لا تقيم حدود الله معه , ولا يلتئم مقصود النكاح بينهما , فيفضي إلى الفرقة غالبا .

وأيضا : فإن النكاح عقد يوجب المودة بين الزوجين والرحمة كما ذكره الله سبحانه في كتابه , ومقصوده السكن والازدواج , ومتى كانت المرأة من حين العقد تكره المقام معه وتود فرقته لم يكن النكاح معقودا على وجه يحصل به مقصوده .

وأيضا : فإن الله سبحانه قال : (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) فلم يبح إلا نكاحاً يظن فيه أن يقيم حدود الله ومثل هذه المرأة لا تظن أن تقيم  حدود الله ; لأن كراهيتها له تمنع هذا الظن , ولأن المرأة تستوفي منافع الزوج بالنكاح كما يستوفي الرجل منافعها , وإذا كانت إنما تزوجت لتفارقه وتعود إلى الأول لا لتقيم معه لم تكن قاصدة للنكاح ولا مريدة له , فلا يصلح هذا النكاح على قاعدة إبطال الحيل " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (6/298) .

ولهذه الأسباب التي ذكرها شيخ الإسلام اختار جماعة من علماء الحنابلة أن المرأة إذا نوت التحليل لم تحل للزوج الأول .

قال في "مطالب أولي النهى" (5/127) : " ومن لا فرقة بيده لا أثر لنيته ... ولا أثر لنية الزوجة والولي ; لأنه لا فرقة بيدهما . قال في " إعلام الموقعين " : يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم : (أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَة) . يقول أحمد : إنها كانت قد همت بالتحليل , ونية المرأة ليست بشيء , إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله المحلل والمحلل له ) . وليس فيه المرأة بشيء .

واختار جمعٌ من أصحابنا أنه لا يحصل الإحلال بذلك وهو الأصح " انتهى .

وينظر : "المغني" (7/139) ، "كشاف القناع" (5/96) ، "حاشية الدسوقي" (2/258) ، "إعلام الموقعين" (4/36) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " وماذا لو نوته الزوجة ، فوافقت على التزوج بالثاني من أجل أن تحل للأول ؟ فظاهر كلام المؤلف أنه لا أثر لنية الزوجة ؛ ووجهه : أنه ليس بيدها شيء ، والزوج الثاني لا يطلقها ؛ لأنه تزوجها نكاح رغبة ، فليس على باله هذا الأمر ، فإن لم تنوه هي ولكن نواه وليها فكذلك .

ولهذا قال بعض الفقهاء عبارة تعتبر قاعدة ، قال : من لا فرقة بيده لا أثر لنيته ، فعلى هذا تكون الزوجة ووليها لا أثر لنيتهما ؛ لأنه لا فرقة بيدهما .

وذهب بعض أهل العلم إلى أن نية المرأة ووليها كنية الزوج ، وهو خلاف المذهب ، وسلموا بأنه لا فرقة بيدهما ، لكن قالوا : بإمكانهما أن يسعيا في إفساد النكاح ، بأن تنكد على الزوج حتى يطلقها ، أو يُغروه بالدراهم ، والنكاح عقد بين زوج وزوجة ، فإذا كانت نية الزوج مؤثرة فلتكن نية الزوجة مؤثرة أيضاً .

فعندنا ثلاثة : الزوج ، والزوجة ، والولي ، والذي تؤثر نيته منهم هو الزوج على المذهب ، والقول الراجح أن أي نية تقع من واحد من الثلاثة فإنها تُبطل العقد ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إنما الأعمال بالنيات) والولي حينما عقد لم ينو نكاحاً مستمراً دائماً ، وكذلك الزوجة .

فإذا قال قائل : امرأة رفاعة القرظي تزوجت عبد الرحمن بن الزبير رضي الله عنهما وجاءت تشكو للرسول عليه الصلاة والسلام أن ما معه مثل هدبة الثوب ، فقال لها : (أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَة) ، فقالت : نعم ، ألا يدل ذلك على أن نية الزوجة لا تؤثر؟ نقول : هذه الإرادة ، هل هي قبل العقد ، أو حدثت بعد أن رأت الزوج الثاني بهذا العيب ؟ الذي يظهر أنها بعد أن رأته ؛ لأن كون الرجل يتزوجها ويدخل بها ، وليس عندها أي ممانعة ، ثم جاءت تشتكي ، فظاهر الحال أنه لولا أنها وجدت هذه العلة ما جاءت تشتكي ، والله أعلم ، وإن كان الحديث فيه احتمال " انتهى من "الشرح الممتع" (12/177) .

والله أعلم .