عنوان الفتوى : المؤمن يبصر الرحمة من خلال البلاء
إخوتي الأفاضل: أنا فتاة مؤمنة ومتدينة والحمد لله، وأحاول أن أقوم بكل واجباتي الدينية على أكمل وجه، وإنني أؤمن بما يكتبه الله لي فأحاول أن أعيش بهدوء وواقع والحمد لله لأنني دائما أتطلع للآخرة، وأحاول أن لا أخطئ بأي شيء صغيرا كان أم كبيرا حتى أنال رضى الله فأسامح من يخطئ بحقي ولا أحقد على أحد ولا أزعج أحدا، مسالمة لأبعد الحدود والحمد لله حياتي ماشية بسلام ، فأنا أتخذ القرآن وهذا الموقع الرائع في تسيير حياتي وتغذيتي لأكمل ديني إن شاء الله على أكمل وجه، في بعض الأحيان عند ما يأتي شخص ويشكي لي همه أحاول أن أرفع معنوياته وأهديه، ودائما هذه مقولتي للكل قدر الله وما شاء فعل، أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد .فأنا مؤمنة جدا بالمكتوب، ولكن عند ما أمر بمشكلة- وهذا نادر جدا- أحبط ولا أستطيع أن أسيطر على نفسي فالذي يحصل أنني أبتعد عن قراءة القرآن لأنني وبكل صراحة عندما تصيبني مشكلة أو هم أتشتت ولا أستطيع التركيز بالصلاة وقراءة القرآن، فأتجنب قراءة القرآن وأنا مهمومة بينما الصلاة أصليها بدون تركيز ولكن عند السجود أركز وأبكي بحرقة وأدعو بكل جوارحي ...فالذي أشعر به أنني متناقضة أو عندي انفصام بالشخصية فمجرد مشكلة بسيطة أحزن وأكون مهمومة وأحبط ، بينما عندما يشكو لي شخص أعمل جاهدة أن أخرجه من وضعه بالنصائح بالتقرب من الله وقراءة القرآن والاستغفار والدعاء، وصدقا من كل قلبي أحاول أن أقنعه أن يبسط الأمور وأن يتوكل على الله وأن هذا ربما يكون ابتلاء أو ...الخ فإيماني وحبي لله يشعرني أنه لا يوجد شيء يجعلهم يحزنون أو يتشاءمون، لكن أحيانا أنا أصاب بالذي يصابون به وأعرف الحلول ولكن لا أستطيع أن أعالج نفسي. أنا آسفة على الإطالة ولكني أحاول أن أوصل الفكرة لكي تفهموني.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فزادك الله حرصا على الخير، وألهمك رشدك ووقاك شر نفسك، ولابد أن تتذكري ـ أختنا الكريمة ـ أن الابتلاء سنة من سنن الله فقد خلق الله تعالى الإنسان ليمتحنه ويختبره، كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً. {هود: 7}. وقال سبحانه: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ. {الملك: 2}.
فلابد أن تجري حكمة الله تعالى في خلقه، فلا يوجد إنسان على الأرض في عافية تامة، فلا يصيبه نصب ولا وصب، ولا هم ولا غم، ولا حزن ولا ألم. فقد قال تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ. {البلد:4} وقد سبق بيان ذلك وأن الدنيا دار ابتلاء ومحنة، في الفتويين: 61244 ، 23586.
ويتميز المؤمن عن غيره في ذلك أنه من ناحية يعلم أن ربه به رحيم، وأنه أرحم به من نفسه، فيرتجي دائما الفرج بعد الشدة، واليسر بعد العسر، فلا ييأس ولا يقنط، ولا يضجر ولا يجزع. ومن ناحية أخرى فإنه يحتسب أجر ذلك عند الله ويعلم أنه ممحاة لذنوبه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض. رواه الترمذي، وحسنه الألباني. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها. رواه الشيخان.
ولذلك فرق الله بين المؤمنين وغيرهم فقال: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا.{النساء : 104}.
فالمؤمن يصبر ويرضى بقضاء الله تعالى، ويبصر الرحمة من خلال البلاء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه، وحسنه الألباني.
وقد سبق لنا ذكر بعض البشارات لأهل البلاء، وبيان الأمور المعينة على تجاوز المصائب، في الفتويين: 18103 ، 5249. وبيان سبل استجلاب قوة الإيمان لمواجهة المصائب، وأن أكمل الصبر ما كان عند الصدمة الأولى وذلك في الفتويين: 39151 ، 19125 .
ونصيحتنا للأخت السائلة أن تجتهد في العمل بما توصي به غيرها من الاستعانة بالله وحسن الظن به، وصدق التوكل عليه، والركون إليه. وعليها أن تحذر من أن يستدرجها الشيطان إلى ترك نصح الناس بدعوى فشلها في تطبيق ما تدعو إليه على نفسها فإن ذلك منزلق خطير فكلا الأمرين مطلوب أمر النصح للخير وأمر الامتثال، والفشل في الثاني لا يعفي من المسؤولية في الأول.
والله أعلم.