عنوان الفتوى : الزوجان إذا شكا في كونهما زنيا قبل العقد فهل زواجهما صحيح
أنا زوجة وأم لثلاثة أطفال تزوجت منذ أربع عشرة سنة وعشت مع زوجي حياة جميلة ـ والحمد لله ـ ووفقنا الله للذهاب إلى الحج ـ أنا و زوجي ـ قبل سنتين وكنا في غاية السعادة، وقبل سنة سمعنا شيخا في الراديو يقول من كانا على علاقة قبل الزواج وتزوجا فزواجهما لا يقبل، والقصد بالعلاقة هنا الخلوة الشرعية، ومنذ ذلك اليوم انقلبت حياتنا إلى جحيم، فقد كنا ـ أنا وزوجي ـ على علاقة قبل الزواج وأصبحنا نتذكر كل صغيرة وكبيرة نسيناها لما لها من ذكرى مؤلمة نوينا نسيانها بعد الزواج، والآن الوقائع التي أتذكره هو أننا ارتكبنا المعاصي ولسنا متأكدين إذا كان قد تم دخول شيء أو لا، ولكن الدخول الكامل تم بعد العقد الشرعي، وسأل زوجي عن هذه العلاقة هنا وقال له أكثر من شيخ إن العقد صحيح إذا كان كل منا ليس له اتصال بأي شخص ثان أي العلاقة الوحيدة من قبل الطرفين أي أننا لسنا مشهورين بهذه الصفة. وتم ذكر ذلك بالأمثلة عن ابن عباس، أو عن الرسول صلى الله عليه وسلم: أوله سفاح وآخره نكاح. والمشكلة أنني بحثت في جميع الفتاوى عن هذا الموضوع, فوجدت الآراء متعددة وبنصوص واضحة، فهل الاختلاف هنا صحيح أم لا؟ فمثلا: مصادر: كالصابوني وابن عباس وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تعتبر هذا الأمر كحكم الزانية، ومصادر أخرى تعتمد سورة النور التي تتحدث عن حكم الزانية أو الغانية ـ حسب تفسير الآية ـ ومنهم من يقول بنسخ الآية، فكيف يتم الاختيار؟. ودائما أجد التوبة واجبة حتى تقبل، وأقول هنا يا شيخي: هل التوبة معناها قول قبل العقد؟ لأننا لم نكن ننوي الاستمرار في هذه العلاقة، وكل همنا أن تتم الموافقة على الزواج من قبل أهلنا، وتمت الفرحة بالموافقة على الزواج وتم العقد بوجود الأهل، ولكن لم يكن بعلمنا أن العقد يجب أن تسبقه توبة ـ إطلاقا ـ لأننا لم نعلم بهذا الأمر ـ مطلقا ـ ولو كنا نعلم لأعلنا ذلك، ولكن منذ ارتباطي لم أغضب الله و زوجي بأي رذيلة ولم يمر يوم وأتذكر فيه تلك الأيام إلا وأمقت نفسي لما كان، ولكن حيال مبدإ التوبة قبل الزواج جعل حياتي جحيما، فهل حياتي مع زوجي حرام أم حلال؟ لأن هذا الأمر يقلقني، وهل الله سوف يعذبني أم لا؟ فأنا أخاف الآخرة؟ وهل نعتبر زانيين إلى الأبد؟ أم عفيفين بعد ما عدنا إلى الله؟ وإذا كان زواجي غير حلال فماذا أفعل لكي أصحح المسار؟ علما بأنني استحضت عدة مرات قبل العقد ومرة واحدة بعد العقد، أرشدوني، لكي أرتاح، فإن لدي زوج أحبه ويحبني وعائلة جميلة لا أريد أن أخسرها ولا أريد أن أقابل ربي عاصية ـ ويعلم الله ما أعانيه ـ أرشدوني، فهل التوبة تصح باستقامة حياتنا بعد العقد؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فزواج الزانية مختلف فيه: ذهب جمهور العلماء إلى جوازه ولو قبل التوبة.
وذهب الإمام أحمد وطائفة من السلف: إلى عدم جوازه إلا بعد التوبة.
وهذا الأخير هو الذي نفتي به, يقول ابن تيمية ـ رحمه الله: نكاح الزانية حرام حتى تتوب، ـ سواء كان زنى بها هو أو غيره ـ هذا هو الصواب بلا ريب، وهو مذهب طائفة من السلف والخلف ـ منهم أحمد بن حنبل وغيره ـ وذهب كثير من السلف إلى جوازه، وهو قول الثلاثة.
انتهى.
وقد بينا تفصيل هذه المسألة في الفتويين رقم: 38866، ورقم: 67475.
أما بخصوص حالتكما: فما دمتما لستما على يقين من حصول الزنا بمعناه الشرعي ـ وهو إيلاج الحشفة أو قدرها في الفرج المحرم ـ كما بيناه في الفتوى رقم: 123674، بل الأمر عندكما مجرد شك في حصول ذلك فينبغي ـ حينئذ ـ طرح هذا الشك وعدم اعتباره وعليه، فإن زواجكما صحيح بالاتفاق فانصرفا عن هذه الوساوس وأقبلا على ما ينفعكما في أمر دينكم ودنياكم.
أما بخصوص بقاء وصف الزنا لكما: فقد بينا أنه لم يثبت لكما هذا الوصف ـ أصلا ـ لأن الأحكام الشرعية لا تثبت بالشك، إذا الأصل السلامة وبراءة الذمة, نعم مثل هذه الأفعال القبيحة من ملامسة العورات ونحوها يثبت لها اسم الزنا مجازا ـ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا ـ مدرك ذلك لا محالة ـ فالعينان زناهما: النظر، والأذنان زناهما: الاستماع، واللسان زناه: الكلام، واليد زناها: البطش والرجل زناها: الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه.
ولكن ليس هذا هو الزنا الحقيقي الموجب للحد, فما دمتما قد تبتما إلى الله جل وعلا وصدقتما في التوبة فأبشرا بقبول الله لتوبتكما، فقد وعد الله بقبول التوبة فقال: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25}.
وعلى افتراض أنه وقع منكما زنا كامل وتم العقد قبل التوبة وأنجبتما الأولاد فلكما في مذهب ثلاثة من الأئمة الأربعة المتبوعين ما يرفع عنكما ما أنتما فيه من الحرج، فأقبلا على الله وأبشرا بالخير.
والله أعلم.