عنوان الفتوى : الذي يقبض الأرواح ملك واحد أم ملائكة ؟.

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هناك بعض المسيحيين الذين يقولون بوجود بعض المتناقضات في القرآن ، ويدّعون بأن القرآن يقول بأن ملك الموت واحد (سورة السجدة: 11) ثم يأتي مرة أخرى ليقول أن ملائكة يتوفون الناس (سورة محمد: 27). فهل يمكن مساعدتي في الرد على هذا، إنني أعلم أنه لا يوجد متناقضات في القرآن لذا أخبروني ما هو الخطأ في فكرتهم.

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله :

أولا :

لا شك في أن القرآن كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهو كتاب محكم لا اختلاف فيه ولا تناقض .

وما يزعمه البعض من وجود تناقض في القرآن فبسبب قصور علمهم وقلة اطلاعهم وتدبرهم لكلام الله .

قال تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ ، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) [النساء/82]

قال ابن كثير رحمه الله : " يقول تعالى آمرا لهم بتدبر القرآن ، وناهيا لهم عن الإعراض عنه وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة ، ومخبرا لهم أنه لا اختلاف فيه ، ولا اضطراب ، ولا تعارض ؛ لأنه تنزيل من حكيم حميد ، فهو حق من حق ". انتهى من " تفسير القرآن العظيم" (1/529) .

ثانياً :

جاء في بعض الآيات أن الذي يقبض أرواح الناس ملَك واحد ، كما في قوله تعالى : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ )  [السجدة/11]

ولم يثبت في حديث صحيح تسميته بـ "عزرائيل" كما هو مشهور عند كثير من الناس .

وجاء في آيات أخرى أن الناس تتوفاهم ملائكة لا ملَك واحد ، كقوله تعالى : ( إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ ) [ النساء : 97 ] ا.

وقوله تعالى : ( فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ) [ محمد : 27 ] وقوله تعالى : (حتى إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الموت تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ) [ الأنعام : 61 ] إلى غير ذلك من الآيات .

ولا تعارض بين هذه الآيات ولا تناقض بحمد الله تعالى ، وذلك لأن الموكل بقبض الأرواح ملك واحد ، إلا أن له أعواناً يعملون بأمره ويعينونه على ذلك .

ومما يدل على وجود أعوان لملك الموت ما رواه الإمام أحمد في مسنده (18063) عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ ، فَيَقُولُ : أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ..

فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ ، فَيَأْخُذُهَا ، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ .

فَيَصْعَدُونَ بِهَا ...) الخ ، والحديث صححه ابن القيم في " إعلام الموقعين " (1 / 214) ، والألباني في "أحكام الجنائز" صـ 159.

فهذا الحديث يدل على أن مع ملك الموت ملائكة آخرين يأخذون من يده الروح حين يأخذها من بدن الميت .

قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري : " إن قال قائل : أو ليس الذي يقبض الأرواح ملك الموت ، فكيف قيل : (توفته رسلنا )، و"الرسل" جملة ، وهو واحد ؟

قيل : جائز أن يكون الله تعالى ذكره أعان ملك الموت بأعوان من عنده ، فيتولون ذلك بأمر ملك الموت .

فيكون" التوفي" مضافًا إلى ملك الموت ، كما يضاف قتلُ من قتله أعوانُ السلطان ، وجلدُ من جلدوه بأمر السلطان ، إلى السلطان، وإن لم يكن السلطان باشر ذلك بنفسه ، ولا وليه بيده ". انتهى من تفسير الطبري (11/410) بتصرف يسير .

وقال الإمام أبو المظفر السمعاني :

" فإن قيل : قد قال في آية أخرى : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ ) السجدة /11، وقال هاهنا : (  تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ) الأنعام /61 ، فكيف وجه الجمع ؟

قيل : قال إبراهيم النخعي : لملك الموت أعوان من الملائكة ، يتوفَّوْن عن أمره ؛ فهو معنى قوله : ( توفته رسلنا ) ، ويكون ملك الموت هو المتوفى في الحقيقة ؛ لأنهم يصدرون عن أمره ، ولذلك نسب الفعل إليه في تلك الآية . وقيل : معناه : ذكر الواحد بلفظ الجمع ، والمراد به : ملك الموت . "

وقال القرطبي:

" والتوفي تارة يُضاف إلى ملك الموت ، كما قال : ( قل يتوفاكم ملك الموت ) .

 وتارة إلى الملائكة لأنهم يتولون ذلك ، كما في قوله : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ )  .

وتارة إلى الله وهو المتوفي على الحقيقة ، كما قال : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها ) " انتهى من " تفسير القرطبي" (7/7) .

قال الشيخ ابن عثيمين : " إن ملك الموت له أعوان يعينونه على إخراج الروح من الجسد حتى يوصلوها إلى الحلقوم ، فإذا أوصلوها إلى الحلقوم قبضها ملك الموت .

وقد أضاف الله تعالى الوفاة إلى نفسه ، وإلى رسله أي : الملائكة ، وإلى ملك واحد ... ولا معارضة بين هذه الآيات ، فأضافه الله إلى نفسه ؛ لأنه واقع بأمره ، وأضافه إلى الملائكة ؛ لأنهم أعوان لملك الموت ، وأضافه إلى ملك الموت ؛ لأنه هو الذي تولى قبضها من البدن ". انتهى " الشرح الممتع" (5/ 114)

وينظر : أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن (6/291) .

ثالثاً :

ننصحك أخي السائل بالابتعاد عن سماع الشبه ، خاصة مع عدم وجود القدرة العلمية على ردها ، والانشغال بما ينفعك من العلم النافع والعمل الصالح .

فالاستماع إلى الشبهات من أعظم الفتن التي تضر العبد في دينه , ولذلك كان السلف ينهون عن الاستماع لأهل الأهواء والبِدع ، فكيف بسماع شبه غير المسلمين !!

وللوقوف على خطر الاستماع للشبهات يمكنك الرجوع إلى جواب السؤال (97726) .