عنوان الفتوى : تفسير قوله تعالى في وصف الشمس والقمر أنهما دائبان وأنهما في فلك يسبحون

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ورد في القرآن قول الله تعالى : ( وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار )، وقوله تعالى في سورة " يس " : ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ) فما المقصود بـ " فلك " و " دائبين " ؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله

أولا :

هاتان الآيتان من الآيات التي تتحدث عن المظاهر الكونية الباهرة التي تدل على سعة خلق الله تعالى وعظمته ، الآية الأولى رقم/33 في سورة الرعد يقول الله تعالى فيها : ( وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ )

وقد ذكر المفسرون لوصف دؤوب الشمس والقمر معاني عدة :

أشهرها دوام المسير في هذا الكون الفسيح من غير توقف .

ومنها : دوام طاعة الله تعالى والافتقار إلى تدبيره عز وجل .

ومنها : دوام نفعهما واستمرار فوائدهما على هذا الكون .

يقول الحافظ ابن جرير الطبري رحمه الله :

" يتعاقبان عليكم أيها الناس بالليل والنهار ، لصلاح أنفسكم ومعاشكم ( دَائِبَيْنِ ) في اختلافهما عليكم . وقيل : معناه : أنهما دائبان في طاعة الله ... عن ابن عباس ، في قوله : ( وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ) قال : دءوبهما في طاعة الله " انتهى.

" جامع البيان " (16/13-14)

ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" أي : يسيران لا يقران ليلا ولا نهارا " انتهى.

" تفسير القرآن العظيم " (4/511)

ويقول الرازي رحمه الله :

" وقوله : ( دَائِبَينَ ) معنى الدؤوب في اللغة : مرور الشيء في العمل على عادة مطردة ، يقال دأب يدأب دأباً ودؤوباً ، قال المفسرون : قوله ( دَائِبَينَ ) معناه : يدأبان في سيرهما وإنارتهما وتأثيرهما في إزالة الظلمة وفي إصلاح النبات والحيوان ، فإن الشمس سلطان النهار ، والقمر سلطان الليل ، ولولا الشمس لما حصلت الفصول الأربعة ، ولولاها لاختلت مصالح العالم بالكلية " انتهى.

" مفاتيح الغيب " (19/101)

ثانيا :

وأما الآية الثانية التي يصف الرب فيها عز وجل الشمس والقمر بالسباحة في الفلك فقد جاء ذلك في موضعين من القرآن الكريم :

الأول : قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) الأنبياء/33

والثاني : قوله عز وجل : ( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) يس/40

وحاصل تفسير العلماء لهذه الآية هو أنها تصف النجوم والشمس والقمر والأفلاك بالدوران والحركة والسير في الفضاء الفسيح دورانا محكما موزونا .

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" ( وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) أي : يدورون . قال ابن عباس : يدورون كما يدور المغزل في الفلكة . وكذا قال مجاهد : فلا يدور المغزل إلا بالفلكة ، ولا الفلكة إلا بالمغزل ، كذلك النجوم والشمس والقمر لا يدورون إلا به ، ولا يدور إلا بهن ، كما قال تعالى : ( فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) الأنعام/96. " انتهى.

" تفسير القرآن العظيم " (5/341)

ويقول العلامة القرطبي رحمه الله :

" ( كلٌّ ) يعني من الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار ( في فلك يسبحون ) أي : يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء " انتهى.

" الجامع لأحكام القرآن " (11/286)

أما تقييد الآيات جريان وسباحة أجرام السماء بكونها ( في فلك )، فقد اختلف العلماء في تفسير شكله وهيئته وحقيقته على أقوال كثيرة ، لكنها تتفق في النهاية على المعنى المقصود ، وهو أن كل أجرام السماء من نجوم وشمس وقمر تجري وتسبح في فلك خاص ، أي : مدار خاص ، ونطاق معين ، لا تصطدم بغيرها ، ولا تختل مسيرتها .

يقول العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله :

" والفلك : فسره أهل اللغة بأنه مدار النجوم ، وكذلك فسره المفسرون لهذه الآية ، ولم يذكروا أنه مستعمل في هذا المعنى في كلام العرب .

ويغلب على ظني أنه من مصطلحات القرآن ، ومنه أخذه علماء الإسلام ، وهو أحسن ما يعبر عنه عن الدوائر المفروضة التي يضبط بها سير كوكب من الكواكب ، وخاصة سير الشمس ، وسير القمر .

والأظهر أن القرآن نقله من فلك البحر ، وهو الموج المستدير ، بتنزيل اسم الجمع منزلة المفرد ، والأصل الأصيل في ذلك كله " فَلْكة المِغْزَل " بفتح الفاء وسكون اللام ، وهي خشبة مستديرة في أعلاها مسمار مثني ، يدخل فيه الغزل ، ويدار لينفتل الغزل " انتهى.

" التحرير والتنوير " (17/45)

والله أعلم .

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...