عنوان الفتوى : هل يجوز الاقتباس من القرآن في الشعر عامة ، وفي الأناشيد خاصة ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما حكم الأناشيد التي يكون فيها قصة دينية ولكنها تكون على شكل أناشيد ، وفيها أحياناً كلمات من القرآن الكريم ؟ . هذه الأناشيد الموجودة حاليّاً بالأسواق

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

الحمد لله

أولاً:

الأناشيد هي كلام ملحَّن ، وفيه الغث والسمين ، وفيه الطيب والخبيث ، وهو وإن كان في الأصل جائزاً لكن قد طرأ عليه ما أفسده ، من الانشغال به أكثر الوقت ، ومن تأثيره على المنشغلين به بما يؤدي إلى قلة أو انعدام حفظ القرآن والسنة ، ومن التشبه بالفسَّاق في اللباس ، والهيئات ، والألحان ، ومن التكسر والتغنج في الألفاظ ، وغير ذلك من المفسدات .

وعليه : فما كان من الأناشيد جادّاً ، يحتوي على كلمات لها هدف سامٍ ، وما كان يسمع منه بقدر معيَّن من غير إفراط ، وكان يخلو من المعازف ، كالدفوف والطبول : فلا بأس به ، إن شاء الله .

وللوقوف على الضوابط الشرعية للنشيد المباح ، وللوقوف على المفاسد التي وُجدت في أناشيد زماننا هذا : نرجو الاطلاع على جوابي السؤالين : ( 91142 ) و ( 11563 ) ، ففيهما كفاية للمستفيد .

ثانياً:

وأما بخصوص اقتباس كلمات من القرآن الكريم لوضعها في تلك الأناشيد : فهو داخل في حكم الاقتباس من القرآن في الشِّعر ، وقد اختلف العلماء في أصل الاقتباس من القرآن ، فالجمهور على الجواز ، ومنهم من منع منه مطلقاً ، وذهبت طائفة من العلماء إلى المنع من الاقتباس في الشعر ، دون النثر .

وفي " الموسوعة الفقهية " ( 6 / 17 ) :

يرى جمهور الفقهاء جواز الاقتباس في الجملة ، إذا كان لمقاصد لا تخرج عن المقاصد الشرعية ، تحسيناً للكلام ، أما إن كان كلاماً فاسداً : فلا يجوز الاقتباس فيه من القرآن ، وذلك ككلام المبتدعة ، وأهل المجون والفحش .

انتهى

وفيها – أيضاً - ( 6 / 18 ) :

وقد اشتهر عند المالكية تحريمه – أي : الاقتباس - ، وتشديد النكير على فاعله ، لكن منهم من فرَّق بين الشِّعر فكره الاقتباس فيه ، وبين النثر فأجازه ، وممن استعمله في النثر من المالكية : القاضي عياض ، وابن دقيق العيد ، وقد استعمله فقهاء الحنفية في كتبهم الفقهية .

انتهى

وقد نقل السيوطي رحمه الله الإجماع على جواز الاقتباس في النثر ، فقال :

ولا أعلم بين المسلمين خلافاً في جوازه في النثر ، في غير المجون ، والخلاعة ، وهزل الفساق ، وشربة الخمر ، واللاطة ، ونحو ذلك .

وقد نصَّ على جوازه : أئمة مذهبنا بأسرهم ، واستعملوه في الخطب ، والرسائل ، والمقامات ، وسائر أنواع الإنشاء ، ونقلوا استعماله عن أبي بكر الصدِّيق ، وعمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وابنه الحسن ، وعبد الله بن مسعود ، وغيرهم من الصحابة ، والتابعين ، فمن بعدهم ، وأوردوا فيه عدة أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استعمله .

" تنوير الحوالك شرح موطأ مالك " ( 1 / 312 ) .

والراجح : جواز الاقتباس من القرآن ، إذا كان لغرض صحيح ، دون ما يُقصد به المزاح والسخرية ، ويستعمل في البدعة والمجون ، ويشمل هذا الاقتباس ما كان في النثر ، أو الشعر.

وينظر تفصيل القول في الاقتباس مع بيان الراجح في جواب السؤال رقم : ( 119673 ) .

وعليه : فالاقتباس من القرآن للنشيد جائز ، بشرط أن يكون نشيداً مباحاً ، جادّاً .

وللدكتور عبد المحسن العسكر – حفظه الله – دراسة موسعة في الاقتباس ، وقد أسماها " الاقتباس ، أنواعه ، وأحكامه ، دراسة شرعية ، بلاغية " ، وبعد أن عرض الخلاف في الاقتباس من القرآن في الشعر قال – ( ص 66 ) - :

والحق الذي يجب المصير إليه : ما ذهب إليه الأكثرون ، من جواز الاقتباس في النظم ؛ لعدم الدليل المانع من ذلك ، ثم إن القول بمنع الاقتباس في الشعر : موجب للتفريق بين النثر ، والشعر ، وهما سواء ، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله : " الشِّعر كلام ، حسَنُه كحسن الكلام ، وقبيحه كقبيح الكلام " .

انتهى

وقد بيَّن – حفظه الله – بعض الوجوه مما لا يجوز الاقتباس من القرآن فيها ، لا شعراً ، ولا نثراً ، ومنها :

1. ما أضافه الله إلى نفسه مما تكلم به سبحانه وتعالى ، مثل ( إني أنا ربك فاخلع نعليك ) .

2. ما أقسم الله به من مخلوقاته ، كما في قول بعضهم :

" والتين والزيتون ... وطور سينين ... وهذا البلد المحزون " .

3. ما خوطب به الرب جل وعلا ، كما وقع في كتابٍ لعبد الرحمن المرشدي إلى القضاة ، جاء فيه :

" يا أعدل قاضٍ به عماد الدين , آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين " .

4. ما يتبادر إلى السامع أنه من القرآن ، مع تغيير بعض الكلمات ، كقول أحدهم :

" والنجم إذا هوى ... ما ضل يراعك وما غوى ... علَّمه شديد القوى , ذو مرة فاستوى " .

5. ومنه ما يعد محاكاة للقرآن واستعمالا له في غير معناه ، كقول النبيه يمدح القاضي الفاضل :

" لا تسمِّه وعداً بغير نوال ... إنه كان وعده مفعولاً " .

انتهى باختصار ، من " الاقتباس ، أنواعه ، وأحكامه " للعسكر ( 74 – 76 ) .

وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم ( 103923 ) جواز الاقتباس من الحديث النبوي .

والله أعلم