عنوان الفتوى : هل يصلي قائما مع المشقة أم يجلس
أنا أعاني من مرض الدسك ونصحني الطبيب بالصلاة وأنا جالسة على الكرسي حتى لا يزيد المرض سوءًا , إلا أني فضلت أن أصلي قائمة ما دمت قادرة على ذلك فهل أحاسب على ذلك ويعتبر من رمي للنفس إلى التهلكة , أما عند قراءة القرآن فاقرأ وأنا جالسة على الكرسي وأصل إلى آيات السجود فأسجد في الهواء بدون أن يلامس جبيني الأرض فهل يجوز ذلك ؟ كما يرجى التكرم بتفصيل أحكام سجود التلاوة ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أجمع العلماء على أن المريض إذا عجز عن القيام جاز أن يصلي قاعدا، وقد بينا المعتبر في العذر المبيح للترخص بالصلاة قاعدا في الفريضة وأنه العجز عن القيام أو أن تلحق المصلي به مشقة ظاهرة. وانظري لذلك الفتويين: 25092، 126149.
ولا تجوز صلاة الفريضة من قعود مع القدرة على القيام ولا تصح، لأن القيام أحد أركان صلاة الفريضة إلا إذا لحقت المصلي مشقة ظاهرة كما قدمنا، وكذا إذا خشي زيادة المرض أو تأخر الشفاء فله الصلاة قاعدا.
قال ابن قدامة رحمه الله: وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ , إلا أَنَّهُ يَخْشَى زِيَادَةَ مَرَضِهِ بِهِ , أَوْ تَبَاطُؤَ بُرْئِهِ , أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً شَدِيدَةً , فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا . وَنَحْوَ هَذَا قَالَ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ. انتهى.
وقال الحافظ في الفتح: قَوْله : ( فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ ) اِسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ لا يَنْتَقِل الْمَرِيض إِلَى الْقُعُود إِلا بَعْد عَدَم الْقُدْرَة عَلَى الْقِيَام , وَقَدْ حَكَاهُ عِيَاض عَنْ الشَّافِعِيّ , وَعَنْ مَالِك وَأَحْمَد وَإِسْحَاق : لا يُشْتَرَط الْعَدَم بَلْ وُجُود الْمَشَقَّة , وَالْمَعْرُوف عِنْد الشَّافِعِيَّة أَنَّ الْمُرَاد بِنَفْيِ الاسْتِطَاعَة وُجُود الْمَشَقَّة الشَّدِيدَة بِالْقِيَامِ , أَوْ خَوْف زِيَادَة الْمَرَض , أَوْ الْهَلاك , وَلا يُكْتَفَى بِأَدْنَى مَشَقَّة . وَمِنْ الْمَشَقَّة الشَّدِيدَة دَوَرَان الرَّأْس فِي حَقّ رَاكِب السَّفِينَة وَخَوْف الْغَرَق لَوْ صَلَّى قَائِمًا فِيهَا . . . . وَيَدُلّ لِلْجُمْهُورِ أَيْضًا حَدِيث اِبْن عَبَّاس عِنْد الطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ : ( يُصَلِّي قَائِمًا , فَإِنْ نَالَتْهُ مَشَقَّة فَجَالِسًا , فَإِنْ نَالَتْهُ مَشَقَّة صَلَّى نَائِمًا. انتهى.
ولو صلى المريض قائما مع وجود العذر المبيح للترخص فصلاته صحيحة لأن القيام هو الأصل، ومن نصحه الطبيب بالصلاة قاعدا وأخبره أن مرضه يزيد إذا صلى قائما فله أن يصلي قاعدا، ولا يأثم إذا صلى قائما ولا يكون هذا من الإلقاء باليد إلى التهلكة إلا إذا علم وتيقن أنه يتضرر بالصلاة قائما، وذلك لأن التداوي غير واجب في قول جماهير العلماء، وقد أوجبه بعض أهل العلم في هذه الحال التي يتيقن فيها حصول الضرر بترك الدواء. قال شيخ الإسلام رحمه الله: فإن الناس قد تنازعوا في التداوي هل هو مباح أو مستحب أو واجب ؟ . والتحقيق : أن منه ما هو محرم ومنه ما هو مكروه ومنه ما هو مباح ; ومنه ما هو مستحب وقد يكون منه ما هو واجب وهو : ما يعلم أنه يحصل به بقاء النفس لا بغيره كما يجب أكل الميتة عند الضرورة فإنه واجب عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء، وقد قال مسروق: من اضطر إلى أكل الميتة فلم يأكل حتى مات دخل النار. انتهى.
وانظري لبيان حكم التداوي وخلاف العلماء فيه الفتوى رقم: 27266.
وأما إيماؤك بالسجود فلا يجوز إذا كنت تقدرين على السجود الشرعي المشترط فيه تمكين أعضاء السجود من الأرض، وانظري الفتوى رقم 126562 فإذا عجزت عن تمكين جبهتك من الأرض أو كنت تتضررين بذلك جاز لك الإيماء بالسجود، وتومئين قدر طاقتك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم. متفق عليه.
قال النووي رحمه الله مبينا صفة ركوع وسجود من يصلي قاعدا: وأما ركوع القاعد فأقله أن ينحني قدر ما يحاذي جبهته ما وراء ركبتيه من الأرض، وأكمله أن ينحني بحيث يحاذي جبهته موضع سجوده. وأما سجوده فكسجود القائم فإن عجز عن الركوع والسجود على ما ذكرنا أتى بالممكن وقرب جبهته قدر طاقته، فإن عجز عن خفضها أومأ لقوله صلى الله عليه وسلم: وإذا أمرتكم بأمر فافعلوا منه ما استطعتم، رواه البخاري ومسلم. انتهى.
وأما أحكام سجود التلاوة فكثيرة جدا تضيق هذه الفتوى عن استيعابها، وعندنا في مركز الفتوى جملة وافية من الفتاوى فيها تفصيل أحكام سجود التلاوة يمكنك مراجعتها عن طريق العرض الموضوعي، وانظري للفائدة الفتوى : 93523.
والله أعلم.