عنوان الفتوى : حكم انكشاف شيء من العورة أثناء الصلاة بغير قصد
سؤالي هو: كانت زوجتي تصلي صلاة العصروهي في الركعة الثالثة صعد ابني الصغير فوق ظهرها، فمزق ثوبها من ناحية الظهر، ولكنها واصلت صلاتها وثوبها ممزق، فهل تقبل الصلاة أم لا؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد جاء في ـ الموسوعة الفقهية: لا خلاف بين الفقهاء في حرمة النظر إلى العورة ووجوب سترها في الصلاة وخارجها، ولكن الحنفية والمالكية قسموها في الصلاة والنظر إليها إلى: مغلظة، ومخففة. فالمغلظة عند الحنفية هي السوأتان، وهما القبل والدبر، بالنسبة للرجل والمرأة على السواء، وقال المالكية: إن العورة المغلظة تختلف باختلاف النوع، فعورة الرجل المغلظة هي السوأتان في الصلاة، أما المرأة فهي ما عدا صدرها وأطرافها، وهي الذراعان والرجلان والعنق، وعند المالكية إذا صلى مكشوف العورة المغلظة فإنه يعيد الصلاة في الوقت وبعد الوقت، ولم يرد في كتب الشافعية والحنابلة هذا التقسيم للعورة. اهـ.
وجاء في موضع آخر من الموسوعة: ستر العورة شرط من شروط صحة الصلاة، فلا تصح الصلاة إلا بسترها، وقد اتفق الفقهاء على بطلان صلاة من كشف عورته فيها قصدا، واختلفوا فيما لو انكشفت بلا قصد متى تبطل صلاته. اهـ.
والراجح في ذلك ـ إن شاء الله ـ هو مذهب الحنابلة، وهو أنه لا يضر انكشاف يسير من العورة بلا قصد، ولو كان زمن الانكشاف طويلا، وكذا لا تبطل الصلاة إن انكشف من العورة شيء كثير في زمن قصير، وتبطل لو فحش وطال الزمن، ولو بلا قصد، قال مرعي بن يوسف الحنبلي في ـ دليل الطالب: في فصل ما يبطل الصلاة: يبطلها كشف العورة عمدا، لا إن كشفها ريح فسترها في الحال أولا وكان المكشوف لا يفحش في النظر. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في ـ شرح العمدة: يعفى عن يسير العورة قدرا أو زمانا، فلو انكشف منها يسير ـ وهو ما لا يفحش في النظر ـ في جميع الصلاة، أو كشفت الريح عورته فأعادها بسرعة، أو انحل مئزره فربطه لم تبطل صلاته، وسواء في ذلك العورة المغلظة والمخففة. اهـ.
وقال البعلي في ـ كشف المخدرات: من انكشف بعض عورته وهو في الصلاة وفحش الانكشاف إن طال الزمن ولو بلا قصد أعاد الصلاة، لا إن انكشف يسير منها لا يفحش في النظر بلا قصد ولو في زمن طويل، ولا إن انكشف كثير منها في زمن قصير. اهـ.
والقدر اليسير الذي يعفى عنه يحدده العرف لا غير، قال المرداوي في ـ الإنصاف: قَدْرُ الْيَسِيرِ ما عُدَّ يَسِيرًا عُرْفًا، على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ: الْيَسِيرُ من الْعَوْرَةِ ما كان قَدْرَ رَأْسِ الْخِنْصَرِ. وَجُزِمَ بِهِ في الْمُبْهِجِ، قال ابن تَمِيمٍ: وَلَا وَجْهَ له، وهو كما قال. اهـ.
وقال ابن تيمية: حد اليسير ما لا يفحش في النظر في عرف الناس وعادتهم إذ ليس له حد في اللغة ولا في الشرع، وإن كان يفحش من الفرجين ما لا يفحش من غيرهما. اهـ.
فالصلاة تبطل عند الكشف عن غير قصد إذا تحقق أمران: الأول أن يكون المنكشف كثيرا أو فاحشا في العرف، والثاني أن يطول الزمن.
وعلى ذلك فلو علمت زوجتك بتمزق ثوبها وظهور شيء من عورتها وصلت بعد ذلك ركعة كاملة فقد طال الزمن، فينظر فإن كان الذي ظهر شيئا يسيرا عرفا، فلا تبطل صلاتها، وإلا بطلت ووجبت عليها الإعادة. والأولى إعادتها على كل حال، احتياطا وخروجا من خلاف الشافعية والمالكية، وكذا الحنفية لو كان المنكشف قدر ربع العضو.
وقد سبق ذكر هذه المسألة في الفتاوى التالية أرقامها، فتراجع لتمام الفائدة: 37063، 23223، 75212.
والله أعلم.