عنوان الفتوى : استعمال الحناء والتزين بالكحل...رؤية شرعية

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

يقال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع الحناء ويتكحل, فهل كان العرب يضعونها ويخرجون بين الناس, أم توضع للتداوي وتزال قبل أن تجف؟ ثمّ أليس في ذلك تشبه بالنساء الذي نعرف جميعاً أنه محرم؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فالكلام عن الحناء نختصره في نقاط:
الأولى: استعماله كعلاج: أورد الإمام ابن القيم في الطب النبوي فوائد كثيرة له، وذكر أنه يستخدم في علاج الصداع وغيره، قال: (وقد روى البخاري في "تاريخه" وأبو داود في "السنن" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شكا إليه أحد وجعاً في رأسه إلا قال له: "احتجم" ولا شكا إليه وجعاً في رجليه إلا قال له: "اختضب بالحناء" وعلق عليه المحقق بقوله: وسنده ضعيف. وقال ابن القيم أيضاً: وفي الترمذي: عن سلمى أم رافع خادمة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان لا يصيب النبي صلى الله عليه وسلم قرصة ولا شوكة إلا وضع عليها الحناء. وضعف المحقق إسناده أيضاً.
والخلاصة أن استعماله كعلاج مباح.
الثانية: استعماله كزينة: يستحب الخضاب بالحناء لتغيير الشيب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم" رواه مسلم. قال الإمام النووي: ومذهبنا: استحباب خضاب الشيب للرجل والمرأة بصفرة أو حمرة، ويحرم خضابه بالسواد على الأصح. وقيل يكره كراهة تنزيه، والمختار التحريم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السواد" هذا مذهبنا إلخ.) شرح النووي على صحيح مسلم باب في مخالفة اليهود في الصبغ.
وأفضل تغيير للشيب هو أن يغير بمزيج الحناء والكتم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أحسن ما غيرتم به الشيب: الحناء، والكتم" أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجه وصححه ابن حبان والألباني. وقد خضب بذلك أبو بكر رضي الله عنه كما في البخاري، وخضب عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالحناء وحده كما في مسلم.
ومن استعماله في الزينة خضاب اليدين والرجلين لغير التداوي، وهو جائز للمرأة، أما الرجل فمختلف في جوازه له، فمن العلماء من أباح له ذلك، ومنهم من حرمه. قال المناوي: (وفيه أنه يجوز للمرأة خضب يديها ورجليها مطلقاً، لكن خصه الشافعية بغير السواد كالحناء، أما السواد فحرام على الرجال والنساء إلا للجهاد، ويحرم خضب يدي الرجل ورجليه بحناء على ما قال العجلي وتبعه النووي، لكن قضية كلام الرافعي الحِلْ) ولقائل أن يقول: لا ينبغي أن يصار إلى التحريم إلا بدليل بين، ولا توجد أدلة صريحة صحيحة تمنع الرجال من خضاب اليدين والرجلين، فيبقى الأمر على الجواز، إلا إذا عرف في بلد بعينه أنه لا يفعل هذا إلا تشبهاً بالنساء، بأن كان خضاب الرجلين واليدين في ذلك البلد مختصا بالنساء، والأولى تركه عند عدم الحاجة على كل حال. والله أعلم.
أما الاكتحال فهو سنة، وهو مفيد لصحة العين وزينة لها، في حق الرجال والنساء على السواء، وليس خاصاً بالنساء، وإذا كان كذلك فلا يصح أن يقال لمن اكتحل من الرجال إنه متشبه بالنساء، وقد كان العرب يكتحلون ويخرجون إلى مجامعهم بلا حرج. أما الآن فقد صار الكثير من الناس لا يكتحلون، وإن اكتحلوا فإنهم يفعلون ذلك ليلاً، أو حيث لا يراهم أحد، وعلى أية حال فالاكتحال سنة وليس بواجب، وإذا خشي من يكتحل من استهزاء الناس به، والتنقص من السنة فلعل الأفضل له أن يستتر بذلك أو يزيله عند الخروج أمام هؤلاء الناس، وأن يسعى في نفس الوقت جاهداً في أن يبين لهم مشروعية الاكتحال وفضله وسنيته. قال الإمام ابن القيم رحمه الله في هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ صحة العين: روى أبو داود في "سننه" … أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالإثمد المروح عند النوم، وقال: "ليتقه الصائم" قال أبو عبيدة: المروح: المطيب بالمسك. وفي"سنن ابن ماجه" وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم: مكحلة يكتحل منها ثلاثاً في كل عين. وفي الكحل حفظ لصحة العين، وتقوية للنور الباصر، وجلاء لها، وتلطيف للمادة الردئية. واستخراج لها مع الزينة في بعض أنواعه، وله عند النوم مزيد فضل لاشتمالها على الكحل وسكونها عقيبه عن الحركة المضرة بها… وللإثمد من ذلك خاصية …) زاد المعاد(4/280) وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الإثمد نكتفي منها بما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير أكحالكم الإثمد، يجلو البصر، وينبت الشعر"
والله أعلم.