عنوان الفتوى : حكم لبس المرأة الثياب الخاصة بالرجال في البيت

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل يجوز للمرأة لبس ثياب الرجال في البيت بوجود محارمها فقط، وكذلك عندما تصلي في البيت؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن لُبس المرأة ثياب الرجال المختصة بهم حرام وهو من كبائر الذنوب، لثبوت الوعيد الشديد فيه، وقد وردت في ذلك عدة أحاديث تنهى كلاً من الجنسين عن التشبه بالآخر فيما يختص به.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل. رواه أحمد وأبو داود.

وأخرج أبو داود عن عائشة أنها قالت: لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرجلة من النساء.

وعن ابن عباس قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء. أخرجه البخاري.

وأخرج أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أنه رأى امرأة متقلدة قوسا وهي تمشي مشية الرجل فقال: من هذه؟ فقيل: هذه أم سعيد بنت أبي جهل فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ليس منا من تشبه بالرجال من النساء.

وهذه النصوص عامة، فتشملُ جميع أنواع التشبه وأحواله، فلا يجوزُ للمرأة أن تلبس ثياب الرجال المختصة بهم، ولو كان ذلك في بيتها، كما لا يجوز لها أن تلبسها في الصلاة لعموم النهي، ولا نعلم أحداً من العلماء، فرق بين أحوال التشبه فرخص فيه في حال دون حال، بل كلامهم يدلُ على المنع من ذلك مُطلقا.

 قال الشوكاني رحمه الله:  قوله - لبس المرأة ولبس الرجل- رواية أبي داود لبسة في الموضعين، والحديث يدل على تحريم تشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء لأن اللعن لا يكون إلا على فعل محرم وإليه ذهب الجمهور. وقال الشافعي في الأم: إنه لا يحرم زي النساء على الرجل وإنما يكره فكذا عكسه. انتهى. وهذه الأحاديث ترد عليه ولهذا قال النووي-وهو من كبار الشافعية- في الروضة: والصواب أن تشبه النساء بالرجال وعكسه حرام للحديث الصحيح. انتهى. وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المترجلات: أخرجوهن من بيوتكم. انتهى.

وإنما قيدنا ذلك بما يختص بالرجال من الثياب، لأن ما كان مشتركاً بين الجنسين فلا يحرمُ على الآخر لبسه.

قال الحافظ في الفتح: قال الطبري: المعنى لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء ولا العكس، قلت: وكذا في الكلام والمشي، فأما هيئة اللباس فتختلف باختلاف عادة كل بلد فرب قوم لا يفترق زي نسائهم من رجالهم في اللبس لكن يمتاز النساء بالاحتجاب والاستتار. انتهى.

وبما تقدم يظهر أن المرأة إذا لبست ثياب الرجال في بيتها، أو صلت فيها فإنها آثمةٌ عاصيةٌ لربها بذلك، وأما صلاتها فصحيحة إذا كانت الثياب التي لبستها ساترة لما يجبُ ستره في الصلاة عند الجمهور الذين لا يشترطون أن يكون الساتر مباحاً، خلافاً لمن اشترط ذلك من فقهاء الحنابلة.

 قال الشيخ العثيمين رحمه الله: إذا كان الثوب الذي تلبسه المرأة من الثياب الخاصة بالرجال فإن لبسها إياه حرام، سواء كان في حال الصلاة، أو في غير حال الصلاة، وذلك لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لعن المتشبهات من النساء بالرجال، ولعن المتشبهين من الرجال بالنساء. فلا يحل لامرأة أن تلبس ثوباً خاصاً بالرجل ، ولا يحل للرجل أن يلبس ثوباً خاصاً بالمرأة ، ولكن يجب أن نعرف ما هي الخصوصية ؟ ليست الخصوصية في اللون ، ولكنها في اللون والصفة، ولهذا يجوز للمرأة أن تلبس الثوب الأبيض إذا كان تفصيله ليس على تفصيل ثوب الرجل، وإذا تبين أن لبس المرأة ثوباً يختص بالرجل حرام فإن صلاتها فيه لا تصح عند بعض أهل العلم الذين يشترطون في السترة أن يكون الساتر مباحاً، وهذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم. فمن العلماء من اشترط في الثوب الساتر أن يكون مباحاً، ومنهم من لم يشترط ذلك، وحجة القائلين باشتراطه: أن ستر العورة من شروط الصلاة، ولابد أن يكون الشرط مما أذن الله فيه فإذا لم يأذن الله فيه لم يكن ساتراً شرعاً لوقوع المخالفة، وحجة من قالوا بصحة الصلاة فيه مع الإثم: أن الستر قد حصل، والإثم خارج عن نطاق الستر وليس خاصاً بالصلاة، لتحريم لبس الثوب المحرم في الصلاة وخارجها، وعلى كل حال فالمصلي بثوب محرم عليه على خطر في أن ترد صلاته ولا تقبل منه. انتهى.

والله أعلم.