عنوان الفتوى : جواب شبهة حول إرادة النبي من صفية ما يريد الرجل من أهله في الحج
كيف يمكننا الرد على صاحب هذا التعليق مع العلم أننا لا نعرف هل هو مسلم أو غير مسلم: طواف الإفاضة، 247 - الحديث الثامن . عن عائشة رضي الله عنها قالت: حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر . فحاضت صفية . فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله . فقلت: يا رسول الله , إنها حائض . قال: أحابستنا هي ؟ قالوا: يا رسول الله, إنها قد أفاضت يوم النحر قال: اخرجوا. وفي لفظ: قال النبي صلى الله عليه وسلم عقري, حلقي . أطافت يوم النحر ؟ قيل: نعم . قال: فانفري. ألا ترون في هذا الحديث حاجة الرجل الهائج الذي لا يستطيع التحكم في نفسه حتى وفى وقت حيض امرأته؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا الكلام لا يُتصور أن يصدر من مسلم رضي بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، بل هو كلامٌ لا يصدرُ إلا ممن خبثت طويته، وساءت سريرته، فهو أحقرُ وأهون من أن نشتغل بالرد عليه، فلا يضرُ السحاب نبح الكلاب.
ما يضر البحر أمسى زاخرا * أن رمى فيه غلامٌ بحجر
ولكننا نجيبُ عن هذا الكلام بما أجاب به أهل العلم، دفعاً لشبهةٍ، وإزالة للبسِ قد يعرض لأحد ممن يسمع هذا الهذيان، فنقول: قد اتفق أهل العلم على أن الحاج إذا طاف للإفاضة حل له كل شيء حتى النساء، فأي حرجٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يبتغي ما أحله الله له، والحديث المذكور ثابتٌ أخرجه البخاري في صحيحه ولفظه: عن عائشة رضي الله عنها قالت: حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر فحاضت صفية، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله فقلت: يا رسول الله إنها حائض. قال حابستنا هي؟ قالوا: يا رسول الله أفاضت يوم النحر. قال اخرجوا.
ويذكر عن القاسم وعروة والأسود عن عائشة رضي الله عنها: أفاضت صفية يوم النحر.
ومن المقطوع والمجزوم به أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم أن صفية قد حاضت، وإلا لما استفهم مستنكراً أنها تحبسهم عن الخروج من مكة حتى تطهر، بل كان صلى الله عليه وسلم، يظن أنها قد أفاضت مع نسائه، وحلت التحلل الثاني، وأنها باقية على طهرها، فلما علم بحيضها كفّ عما كان يريد، وكيف يُتصور أن من أنزل عليه قوله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ.{البقرة: 222}.
وغضبَ صلى الله عليه وسلم، وتغير وجهه حين استأذنه أسيد بن حضير وعباد بن بشر في جماع الحائض تحقيقا لمخالفة اليهود.أخرجه مسلم.
كيف يُتصور منه أن يهم بما حرمه الله، حاشاه صلى الله عليه وسلم، ولقد كان الذروة العليا في امتثال أوامر الله، كيف لا وهو القائل: أما إني أتقاكم لله وأشدكم له خشية.أخرجه مسلم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله مزيلا الإشكال عن قول عائشة رضي الله عنها: فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله:
وهذا مشكل، لأنه صلى الله عليه وسلم إن كان علم أنها طافت طواف الإفاضة فكيف يقول أحابستنا هي؟ وإن كان ما علم فكيف يريد وقاعها قبل التحلل الثاني؟ ويجاب عنه بأنه صلى الله عليه وسلم ما أراد ذلك منها إلا بعد أن استأذنه نساؤه في طواف الإفاضة فأذن لهن فكان بانيا على أنها قد حلت، فلما قيل له إنها حائض جوز أن يكون وقع لها قبل ذلك حتى منعها من طواف الإفاضة فاستفهم عن ذلك فأعلمته عائشة أنها طافت معهن فزال عنه ما خشيه من ذلك، والله أعلم. وقد سبق في كتاب الحيض من طريق عمرة عن عائشة أنه قال لهن: لعلها تحبسنا، ألم تكن طافت معكن ؟ قالوا: بلى. انتهى.
والواجب على كل مسلم أن يعتقد طهارة النبي صلى الله عليه وسلم ونزاهته من كل سوء، وأن من أراد النيل منه، والحط من رتبته الشريفة فهو إنما يطلب مُحالا، وحاله كحال من يريد إطفاء نور الشمس بفيه، أو ستر شعاعها بيده، فلم يُستر ضوؤها إلا عن عينه العمياء، وتبقى الشمس على حالها تنفع الناس، وتغمرهم بضيائها، وتعمهم بسناها، فاللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
والله أعلم.