عنوان الفتوى : أحوال العمل الذي خالطه الرياء
ما حكم العمل الذي شابه الرياء أثناء العمل، كشخص دخل الصلاة وهو بنية خالصة وهو موسوس وصوته يكون عاليا في الصلاة، فيكون صوته مرتفعا قليلا، فيخفض صوته لا لأجل ألا يشوش على من بجانبه ابتغاء وجه الله، ولكن لكي لا يحدث له ذم من جانب الشخص الذي بجانبه، أو تسوء صورته عند ذلك الشخص؟ وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالواجب على كل مسلم أن يُخلص عمله لله عز وجل، وألا يبتغي بعمله إلا وجهه تعالى، فقد قال الله عز وجل: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ {البينة:5}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يقبلُ من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه. أخرجه النسائي، والآيات والأحاديث في الباب كثيرة. وانظر الفتوى رقم: 14005، ورقم: 114613.
والعملُ الذي يُخالطه رياء، فإن كان الرياء في أصل العمل فلا شك في حبوطه، وأما إن طرأ الرياء في أثناء العمل فهذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، والذي رجحه الحافظ ابن رجب، أن العمل لا يحبطُ في هذه الصورة.
قال رحمه الله: واعلم أن العمل لغير الله أقسام فتارة يكون رياء محضا بحيث لا يراد به سوى مرئيات المخلوقين لغرض دنيوي كحال المنافقين في صلاتهم قال الله عز وجل: وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ {النساء142} وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر عن مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة والحج وغيرهما من الأعمال الظاهرة والتي يتعدى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيز. وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة.
وتارة يكون العمل لله ويشاركه الرياء فإن شاركه من أصله فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه أيضًا وحبوطه. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه.
وأما إن كان أصل العمل لله ثم طرأت عليه نية الرياء فلا يضره فإن كان خاطرا ودفعه فلا يضره بغير خلاف، فإن استرسل معه فهل يحبط عمله أم لا يضره ذلك ويجازى على أصل نيته في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير الطبري وأرجو أن عمله لا يبطل بذلك وأنه يجازى بنيته الأولى وهو مروي عن الحسن البصري وغيره.
وذكر ابن جرير أن هذا الاختلاف إنما هو في عمل يرتبط آخره بأوله كالصلاة والصيام والحج، فأما ما لا ارتباط فيه كالقراءة والذكر وإنفاق المال ونشر العلم فإنه ينقطع بنية الرياء الطارئة عليه ويحتاج إلى تجديد نية.
انتهى.
وليعلم أن الصورة المذكورة في السؤال وهي خفض الصوت في الصلاة حتى لا تشوش على من بجانبه ليست من باب الرياء بل هو مطلوب شرعا لحديث: لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن. رواه أحمد.
والذي ينبغي للموسوس أن يحرصَ على اتباع السنة، وألا يرفع صوته فيما لا يُشرع رفع الصوت فيه، فإن الاسترسال مع الوساوس، خطره عظيم، وفي مجاهدته للوسوسة مرضاة لربه عز وجل، وذلك أولى أن يحرص عليه من نظر الناس ومرضاتهم، نسأل الله أن يرزقنا وسائر إخواننا إخلاصا وصدقا.
والله أعلم.