عنوان الفتوى : القول الراجح في حكم حلق اللحية
أنا أحب شيوخ السلفية وأحترمهم كثيراً، ولكن بالنسبة لحلق اللحية أحب كثيراً ألا أطيل ذقني، وأن أحلقها، فقرأت أن حلق اللحية عند جمهور فقهاء الشافعية وبعض المالكية كالقاضي عياض، وعند فقهاء معاصرين كمفتي الأزهر السابق الشيخ جاد الحق، والشيخ ديدات، والشيخ البوطي، والشيخ سيد سابق، والشيخ شلتوت، والقرضاوي، أن حلقها مكروه وليس محرما، وأنا عندما أحلقها آخذ برأيهم وأنا أثق فيهم، وخاصة بفقهاء الشافعية والقاضي عياض، والشيخ جاد الحق، والشيخ سيد سابق، ولكنني لم أشعر بالراحة تماماً، بل أشعر أنه ربما رأي فقهاء السلفية بتحريم حلقها أقوى، وخاصة أني أحب أن آخذ بكثير من آرائهم. فماذا أفعل؟ وهل تبنيّ لرأي الكراهية جائز مع أنني أميل أكثر إلى رأي السلفية؟ ربما لأنني مرتاب أوأسوس بأن الأشد هو الأصح؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالسلفية ليست مذهبا فقهيا، أو مرحلة زمنية انتهت، وإنما هي منهج يقتفي آثار السلف الصالح في فهم الإسلام كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والقرون الأولى المفضلة في العقائد، والعبادات، والأخلاق، وسائر فروع الشريعة، كما بينا هذا في الفتويين رقم: 5484، 5608.
والقول بتحريم حلق اللحية هو رأي جماهير أهل العلم، بل نقل بعض العلماء الإجماع على حرمة ذلك، فقد قال ابن حزم في مراتب الإجماع: اتفقوا أن حلق جميع اللحية مُثْلة لا تجوز. مراتب الإجماع.
وقال أبو الحسن ابن القطان المالكي: واتفقوا أن حلق اللحية مُثْلَة لا تجوز. الإقناع في مسائل الإجماع.
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في التمهيد: يحرم حلق اللحية.
وقال الشيخ علي محفوظ من علماء الأزهر: وقد اتفقت المذاهب الأربعة على وجوب توفير اللحية وحرمة حلقها. الإبداع في مضار الابتداع.
وقد سبق بيان هذا بأدلته مفصلا في الفتويين: 2711، 14055 .
وأما الرأي القائل بالكراهة فقط فهو رأي ضعيف، لا يجوز تبنيه لمن ظهرت له الأدلة الصحيحة في هذه المسألة، وقد ذكرنا فيما سبق أن بعض العلماء نقل الإجماع على التحريم.
والواجب عند التنازع والاختلاف هو اتباع الدليل والرد إلى الله ورسوله، فقد قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً. {النساء:59}.
ونحفظ للعلماء مكانتهم ولكن لا نتابعهم إلا فيما وافق الدليل، فإن كان العالم أهلا للاجتهاد فإن أخطأ فله أجر على اجتهاده وهو معذور فيما أخطأ فيه، وأما من استبانت له الحجة فيجب عليه اتباعها وترك التقليد .
وقد تختلف الفتوى في هذه المسألة لأسباب منها:
1- أن يكون المفتي راعى حال السائل والظروف المحيطة به، كأن يكون في بلد لا يمكنه إعفاء لحيته فيه.
2- أو اعتمد على قول مرجوح يفيد الكراهة لا التحريم.
3- أن يكون أخطأ في فهم كلام بعض الأئمة.
4- أو اتبع منهجاً غير مرضي في التعامل مع الأوامر والنواهي الواردة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
والصحيح الذي عليه جمهور العلماء أنه لا فرق بين ما ورد من ذلك في السنة، وبين ما ورد في القرآن الكريم، فالأمر المطلق يفيد الوجوب، والنهي المطلق يقتضي التحريم، ويجب أن يحمل كل على ما هو أصل فيه إلى أن يوجد صارف يصرف عنه.
وهذا كله مذكور في الفتوى رقم: 20178 فراجعها، والرأي الراجح لا يعرف من كونه الأشد أو الأخف، بل العبرة بموافقة الدليل الصحيح.
والله أعلم.