عنوان الفتوى : الوحي والحقائق العلمية
كيف يمكن للمسلم أن يحافظ علي إيمانه بدينه و نبيه في هذا العصر الذي ظهرت فيه بعض الحقائق العلمية التي تناقض بعض ما جاء بالقرآن الكريم؟ مثلا: أصبح الإنسان قادرا علي أن يعلم ما في الأرحام. أرجوكم لا تقولوا لي إن علم ما في الأرحام هو شقي أم سعيد، غني أم فقير، .إلخ، فالآية واضحة تماما، ما في الأرحام، وليس بعد أن يخرج الإنسان من رحم أمه. مثال آخر: هو اكتشاف حفريات لما يعرف بـأشباه البشر وهي السلالات التي تطور منها الإنسان الحالي و أشهرها إنسان نيندرتال بما يناقض نظرية خلق آدم و حواء خلقا مباشرا. المثال الأخير: هو كون الإنسان يخلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب و الترائب، حيث كانت هناك نظرية يونانية قديمة تقول بأن المني يخرج من الظهر -مكان الكليتين- و لكن المعروف علميا أن المني يخرج من الخصيتين؟ أرجو أن تتحملوا أسئلتي الثقيلة و لكم جزيل الشكر؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبداية ينبغي أن نقرر هنا حقيقة أن الوحي معصوم وأنه حق محض، وأن النظريات الحديثة هي التي تعرض عليه وليس العكس، وأنه لا تعارض بين صحيح المنقول وصريح المعقول، فالوحي لا يتعارض بحال مع الحقائق العلمية الثابتة، كما سبق بيانه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 77935، 66196، 4626، 32263.
وثانيا: ينبغي أن نفرق بين فهمنا لنصوص الوحي وبين دلالتها الصحيحة، فقد يفهم الإنسان ما ليس مرادا، فيكون الخطأ في فهمه وليس في النص.
ومن هذا فهم السائل الكريم للآيات التي أوردها، فقوله تعالى: وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ {لقمان:34}. ظاهر في أن الله تعالى هو الذي يعلم علما مطلقا حقيقة ما في الأرحام في كل لحظة وفي كل طور، من فيض وغيض وحمل حتى في حين لا يكون للحمل حجم ولا جرم، وهو وحده الذي يعلم ما هو مودع في تلك النطفة في ظلمات الرحم من مواهب وطاقات، فذلك العلم الدقيق الشامل لما في كل رحم من الأرحام هو مما يختص الله بعلمه سبحانه، فالأمر لا ينحصر في الذكورة والأنوثة ولا حتى في ملامح الجنين، ولا في موعد ولادته، بل الأمر يتعدى ذلك بكثير.
وفي مايتعلق بنوع الجنين ذكورة وأنوثة، فقد ثبت مع تقدم الطب في علمه وآلاته أن الحالة التي يمكن فيها معرفة نوع الجنين هي حالة الازدياد، لأن النطفة تمر بمرحلتين: مرحلة الغيض، ومرحلة الازدياد، قال تعالى: اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ {الرعد:8}
والذي اختص الله بعلمه هو حالة النطفة في مرحلة الغيض، ودليل ذلك ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مفاتيح الغيب خمسة، لا يعلمها إلا الله، لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله.
فالمحجوب تماما عن علم غير الله هو الغيض، كما سبق بيانه في الفتويين: 36924، 3197.
وكذلك مسألة خلق الإنسان من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب، لا تعارض فيه بين دلالة القرآن والعلم الحديث، بل هذه الآية تحمل وجها واضحا من وجوه الإعجاز العلمي في القرآن، وقد سبق لنا بيان ذلك من خلال كلام الدكتور على البار، وذلك في الفتوى رقم: 38118.
وأما بالنسبة للحفريات التي ذكرها السائل فما هي إلا بعض الخدع التي صنعها التطوريون ليضلوا بها العامة، والتي منها: الإنسان القرد وهو في الحقيقة مجرد رسم لتخيلات من صنع أصحاب نظرية التطور.
كما يقوم أصحاب هذه النظرية بإنتاج حفريات لا يمكنهم العثور عليها، ويعملون على خداع الناس بها، وأشهر هذه التزويرات: إنسان بلثدون، وإنسان نبراسكا ذكر ذلك الأستاذ هارون يحي ثم قال: الحفرية التي تم العثور عليها لإنسان في إسبانيا عام 1995 تدمر تماما رواية تطور الإنسان، والجمجمة التي يبلغ عمرها 800.000عام والتي اكتشفت في منطقة أتابيرسا ترجع إلى الحقبة التي ظهر فيها نصف القرد نصف الإنسان حسب ما يدعى أصحاب نظرية التطور، ولا يوجد فرق بينه وبين الإنسان الحديث. هذا يعني أنه لا فرق بين الإنسان الذي عاش 800.000عام وبين الإنسان الذي يعيش في الوقت الحالي.
تم نشر مقال في مجلة نيو ساينتست بتاريخ 14/3/1998 بعنوان: الإنسان القديم كان أكثر ذكاء مما توقعنا، وهذا يخبرنا بأن الناس المدعوين: هومو أريكتس من قبل أصحاب نظرية التطور كانوا يمارسون نشاطا في البحر للصيد قبل 700 ألف عام، وهؤلاء البشر الذين كانوا يملكون علما كافيا وتكنولجيا لبناء القوارب، ويمتلكون الثقافة التي مكنتهم من استخدام المواصلات في البحر، من الصعوبة أن تطلق عليهم صفة بدائيين. انتهى .
وننصح السائل الكريم بقراءة كتابات الكاتب المعروف هارون يحي في تفنيده لنظرية التطور.
وراجع للفائدة الفتويين رقم: 57722، 4755.
واعلم أن هذه الأسئلة إنما يتحمل وزرها ويجد ثقلها من اعتقدها إن مات على ذلك، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ{الشعراء227}
والله أعلم.