عنوان الفتوى : المقصود بالصلب والترائب
يقول ابن كثير فى تفسير قوله سبحانه وتعالى فى سورة المؤمنون (ثم خلقنا النطفة علقة) إن الله صير النطفة وهى الماء الدافق، الذي يخرج من صلب الرجل وهو ظهره وترائب المرأة وهي عظام صدرها ما بين الترقوة إلى السرة، فكيف تخرج البويضات من صدر المرأة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد اختلف العلماء في تفسير الترائب في هذه الآية هل هي للمرأة وحدها أم للرجل والمرأة معاً، قال ابن القيم رحمه الله في أعلام الموقعين مائلاً إلى أن المقصود بالترائب هنا ترائب الرجل: ولا خلاف أن المراد بالصلب صلب الرجل، واختلف في الترائب فقيل: المراد بها ترائبه أيضاً، وهي عظام الصدر ما بين الترقوة إلى الثندوة، وقيل: المراد بها ترائب المرأة، والأول أظهر لأنه سبحانه قال: يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [الطارق:7]، ولم يقل يخرج من الصلب والترائب، فلا بد أن يكون ماء الرجل خارجاً من بين هذين الملتقين، كما قال في اللبن: يخرج من بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ [النحل:66]. وأيضاً فإنه سبحانه أخبر أنه خلقه من نطفة في غير موضع، والنطفة هي ماء الرجل، كذلك قال أهل اللغة، قال الجوهري: والنطفة الماء الصافي قل أو كثر، النطفة ماء الرجل والجمع نطف. وأيضاً فإن الذي يوصف بالدفق والنضح إنما هو ماء الرجل، ولا يقال نضحت المرأة ولا دفقته، والذي أوجب لأصحاب القول الآخر ذلك أنهم رأوا أهل اللغة قالوا: الترائب: موضع القلادة من الصدر، قال الزجاج: أهل اللغة مجمعون على ذلك، وأنشدوا لامرئ القيس: مهفهفة بيضاء غير مفاضة === ترائبها مصقولة كالسجنجل وهذا لا يدل على اختصاص الترائب بالمرأة بل يطلق على الرجل والمرأة، قال الجوهري: الترائب: عظام الصدر ما بين الترقوة إلى الثندوة. انتهى. وذهب الحسن البصري -رحمه الله- إلى أن المقصود بالصلب والترائب هو: صلب الرجل وترائبه وصلب المرأة وترائبها، قال القرطبي: قال الحسن: المعنى يخرج من صلب الرجل وترائب الرجل، ومن صلب المرأة وترائب المرأة. انتهى. وهذا هو الذي رجحه الدكتور علي البار في كتابه "خلق الإنسان بين الطب والقرآن حيث قال: تقول الآية الكريمة: إن الماء الدافق يخرج من بين الصلب والترائب، ونحن قد قلنا: إن هذا الماء (المني) إنما يتكون في الخصية وملحقاتها، كما تتكون البويضة في المبيض لدى المرأة... فكيف تتطابق الحقيقة العلمية مع الحقيقة القرآنية. إن الخصية والمبيض إنما يتكونان من الحدبة التناسلية بين صلب الجنين وترائبه.. والصلب هو العمود الفقري.. والترائب هي الأضلاع. وتتكون الخصية والمبيض في هذه المنطقة بالضبط، أي بين الصلب والترائب، ثم تنزل الخصية تدريجياً حتى تصل إلى كيس الصفن (خارج الجسم) في أواخر الشهر السابع من الحمل... بينما ينزل المبيض إلى حوض المرأة ولا ينزل أسفل من ذلك. ومع هذا فإن تغذية الخصية والمبيض بالدماء الأعصاب واللمف تبقى من حيث أصلها.. أي من بين الصلب والترائب، فشريان الخصية أو المبيض يأتي من الشريان الأبهر (الأورطي البطني) من بين الصلب والترائب، كما أن وريد الخصية يصب في نفس المنطقة.. يصب الوريد الأيسر في الوريد الكلوي الأيسر بينما يصب وريد الخصية الأيمن في الوريد الأجوف السفلي.. وكذلك أوردة المبيض وشريانها تصب في نفس المنطقة أي بين الصلب والترائب... كما أن الأعصاب المغذية للخصية أو للمبيض تأتي من المجموعة العصبية الموجودة تحت المعدة من بين الصلب والترائب.. وكذلك الأوعية اللمفاوية تصب في نفس المنطقة أي بين الصلب والترائب. فهل يبقى بعد كل هذا شك أن الخصية أو المبيض إنما تأخذ تغذيتها ودماءها وأعصابها من بين الصلب والترائب؟... فالحيوانات المنوية لدى الرجل أو البويضة لدى المرأة إنما تستقي مواد تكوينها من بين الصلب والترائب، كما أن منشأها ومبدأها هو من بين الصلب والترائب. والآية الكريمة إعجاز كامل حيث تقول: من بين الصلب والترائب، ولم تقل من الصلب والترائب، فكلمة بين ليست بلاغية فحسب وإنما تعطي الدقة العلمية المتناهية. انتهى. هذا والمشهور في التفاسير هو أن الصلب للرجل والترائب للمرأة، وهو مروي عن ابن عباس وغيره، والأولى في مثل هذه الأمور الرجوع إلى الطب الحديث وعلم التشريح للوصول إلى الفهم الأمثل لآيات الإعجاز العلمي، ولعل أقرب ما قيل في ذلك هو ما نقلناه عن الدكتور علي البار، وننصح الأخ السائل بالرجوع إلى الاستشارات الطبية في الشبكة، فلعله يزداد فائدة منهم. والله أعلم.