عنوان الفتوى : إطعام المساكين في الفدية والمقصود بالمرجوح والتأويل المردود
في الفتوى رقـم: 117108،ذكرتم الآتي: وذهب أبو حنيفة إلى أنه لو أطعم مسكيناً واحداً طعام الستين جاز، وقوله مرجوح، وتأويل المسكين بالمد من التأويل المردود كما قال صاحب المراقي: وجعلُ مسكينٍ بمعنى المُد ّ عليه لائحٌ سماتُ البعدِ ما معنى مرجوح؟ هل هومقبول شرعا أم مرفوض؟ وما معنى كون تأويل المسكين بالمد من التأويل المردود؟ هل مردود بمعني مرفوض، وكيف ذلك إذا كنتم -فضيلتكم- ذكرتم في كفارة قضاء رمضان: فمذهب الشافعي أنها مد من طعام برأو غيره، وقال أحمد هي مد من بُر: قمح ،ونصف صاع من غيره، إذا كانت فتوى فضيلتكم أن الإطعام بمد من بر،أو نصف صاع من غيره ،كيف يكون جعل المسكين بمعني المد مردودا؟ من فضلك قرأت فتوى أن من أخر قضاء رمضان حتى جاء الذي بعده أنه يجب عليه القضاء والكفارة، بينما شيخ آخر أفتى قائلا:لا تجب الكفارة، وهو قول أبي حنيفة، بل فعل ذلك بعض الصحابة وهو ليس تشريعا. ما مدى صحة هذا الكلام؟ وهل حقا أن الكفارة لا تتضاعف مع عدد السنين؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمرجوح: هو ضدُ الراجح، وهو ما لا يرى المجتهدُ قوة دليله، ويرى قوة دليل مقابله وهو الراجح، وفي مسائل الاجتهاد يُفتي المفتي بما ظهر له دليله، ويعدُّ ماخالفه مرجوحاً لا يُعمل به.
ومعنى التأويل المردود: أي غير المقبول لضعفه، وبعده عن الصواب، ووجه تضعيف قول أبي حنيفة،وضعف تأويله في هذه المسألة ظاهر، وذلك أن مسمى المسكين لا يصدقُ على المد،لا لغةً ولا شرعاً ولا عرفا، ولا يدلُ عليه بأي نوعٍ من أنواع الدلالة لا مطابقةً،ولا تضمناً،ولا التزاما، فكان تأويلاً بعيداً مرجوحاً، والراجح ما ذهبَ إليه الجمهور، ولا يُشكل على تضعيف تأويلِ أبي حنيفة للمد بالمسكين جواز أن تعطى فديةُ الفطر في رمضان لمسكينٍ واحد، وذلك لأن كل يومٍ من رمضان عبادةٌ مستقلة فيجوزُ دفع الفدية المتعددة لواحدٍ فقط إذ العدد ليسَ شرطاً.
قال في الإنصاف: يجوز صرف الإطعام إلى مسكين واحد جملة واحدة. انتهـى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة: متى قال الأطباء إن هذا المرض الذي تشكو منه، ولا تستطيع معه الصوم – لا يرجى شفاؤه-، فإن عليك أن تطعم عن كل يوم مسكيناً نصف صاع من قوت البلد، من تمر أوغيره، وإذا عشيت مسكيناً أو غديته بعدد الأيام التي عليك كفى ذلك" انتهـى.
وأما ما كان العدد شرطاً فيه كإطعام العشرة في كفارة اليمين، وإطعام ستين مسكيناً في كفارة الجماع في نهار رمضان، وفي كفارة الظهار، فلا بد من استيعاب العدد المنصوص عليه في مذهب الجمهور خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله، وبهذا يتضح لك الفرق بين المسألتين، وأن فتوانا -بحمد الله- غير متناقضة.
وأما مسألةُ تأخير قضاء رمضان بغير عذرٍ حتى يجيء رمضانُ التالي ففيها الخلاف المشهور، فمذهب أبي حنيفة والبخاري أنه لا يجبُ سوى القضاء،ومذهب الجمهور أنه يجبُ مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم أخره، ودليل الجمهور فتوى أبي هريرة وابن عباسٍ بذلك، ولا يُعلم لهما مخالفٌ من الصحابة، وهذا كافٍ في ترجيح هذا المذهب، فضلاً عن كونه أحوط وأبرأ للذمة، ومن ترجح له القول الثاني فلا تثريب عليه.
ومسائل الاجتهاد مما ينبغي تركُ التغليظِ والتعصب فيها، بل يسعنا ما وسع أهل العلم قبلنا.
وأما أن الكفارة لا تتضاعف بمرور السنوات فهذا ما بينه جمع من أهل العلم رحمهم الله.
قال ابن قدامة في المغني :فإن أخره لغيرعذر حتى أدركه رمضانان أو أكثر لم يكن عليه أكثر من فدية مع القضاء، لأن كثرة التأخير لا يزداد بها الواجب، كما لو أخر الحج الواجب سنين لم يكن عليه أكثر من فعله.
والله أعلم.