عنوان الفتوى : حكم ارتداء الرجل عقدا أو سوارا من فضة
أود أن أستفسر عن حكم ارتداء الرجال لعقد أو سوار من الفضة، أنا أرتدي عقدا لمحبتي له ليس لأي سبب أو تشبها بأحد، كما أني أخفيه تحت ملابسي, لأني أرتديه لنفسي واحتراما لمشاعر البعض، كما أن ارتداء الزينة للرجال أمر طبيعي جدا بوطني الأم، والموضوع أصبح شائعا جدا وطبيعي لشريحة كبيرة من الناس ببلد الإقامة. وأريد أن أشير إلى أن تحديد التشبه بالنساء يعتمد على العرف, والعرف أضحى على شفير النهاية، فلبس الرجال للون الوردي المحسوب على النساء أصبح طبيعيا من ما ضرب العرف بعرض الحائط. فما الحكم, وأرجوك الإجابة على أساس الدين وليس التقاليد البالية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ضبط ابن دقيق العيد ما يحرم على الرجال التشبه بالنساء فيه، بأنه ما كان مخصوصا بهن في جنسه وهيئته أو غالبا في زيهن، يعني أن المنهي عنه من تشبه الرجال بالنساء هو ما كان مختصا بهن، فيخرج بذلك ما كان مشتركا بينهم من الهيئات أو الصفات في الملبس أو الزينة أو غيرهما. كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 36376.
وعليه، فالمسؤول عنه من أنواع الزينة مما يختلف حكمه من بلد إلى بلد، بحسب العرف السائد فيه، وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 102468 بيان أن المرجع في تحديد ما تختص به النساء إلى العرف، فالعرف هنا هو المعتبر، وهذا معنى القاعدة الفقهية: العادة محكمة.
وقال ابن حجر الهيتمي في عد الكبيرة السابعة بعد المائة: تشبه الرجال بالنساء فيما يختصصن به عرفا غالبا من لباس أو كلام أو حركة أو نحوها.
قال العيني: تشبه الرجال بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء مثل لبس المقانع والقلائد والمخانق والأسورة والخلاخل والقرط ونحو ذلك مما ليس للرجال لبسه ... وهيئة اللباس قد تختلف باختلاف عادة كل بلد فربما قوم لا يفترق زي نسائهم من رجالهم لكن تمتاز النساء بالاحتجاب والاستتار.
وأفاد الإسنوي أن العبرة في لباس وزي كل من النوعين حتى يحرم التشبه بهن فيه بعرف كل ناحية. وقال الجمل والشرواني: هل يثبت في كل إقليم ما جرت عادة أهله به، أو ينظر لأكثر البلاد؟ فيه نظر، والأقرب الأول.
وكون لبس السلاسل والأساور والقلائد من خصائص النساء في أغلب البلدان أمر لا يستنكر، وعليه فلا يجوز للرجل في هذه البلدان لبسها، سواء كان من أهلها أو مقيما فيها وراجع الفتويين: 6148، 26475.
وأما إن كان التزين بهذه الأشياء لا تختص به النساء في بلدٍ ما ـ وهذا أمر مستبعد ـ فلا ينهى عنه بعلة التشبه بالنساء حينئذ. ولكن يبقى أن أغلب الظن أن من يتزين بهذه الأشياء من الذكور يكونون من المتخنثين أو المعروفين بالميوعة أو الفجور أو المعاصي، فإن صح هذا الظن فلا يجوز أيضا التشبه بأهل الفسوق والعصيان، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 56757.
ويجب التنبه هنا إلى أنه فيما عدا الخاتم وتحلية السيف وشد الأسنان بالفضة، قد اختلف أهل العلم في جواز استعماله للرجل فهذا يجب أن يضاف لما سبق من مسألة التشبه.
ثم نذِّكر السائل الكريم بفضيلة الاعتدال في الزينة ونبذ التوسع في التنعم، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحَلَ إِلَى فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَهُوَ بِمِصْرَ فَقَدِمَ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ شَعِثًا وَأَنْتَ أَمِيرُ الْأَرْضِ ؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْهَانَا عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْإِرْفَاهِ. قَالَ: فَمَا لِي لَا أَرَى عَلَيْكَ حِذَاءً؟ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَحْتَفِيَ أَحْيَانًا. رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه الألباني. والإرفاه من الرفاهية وهي السعة والدعة والتنعم.
ويمكن للفائدة في ذلك مراجعة الفتوى رقم: 97793.
والله أعلم.