عنوان الفتوى : حكم خروج الزوجة لزيارة والديها بدون إذن زوجها
زوجي وأخواتي على خلاف دائم وأمي تجلس مع أخواتي في شقة العائلة ومنعني من زيارتها نهائيا بسبب أخواتي ماذا أفعل وأمي صعبة علي وربنا أوصى عليها وهي أمي فهل من حقي أن أذهب لرؤيتها بدون علم زوجي أم يحرم علي ذلك، علما بأن زوجي إنسان غير ملتزم لكي أسمع كلامه وليس له الفضل في معيشتي أنا وبناتي فقط هو أبو البنتين وأنا من بيت أصول وأفهم ذلك، ولكن تعبت من كثرة تحكمه في بسبب والدتي بالذات ولو خيروني لاخترت أمي طبعا فماذا أفعل؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه، حتى ولو كان الزوج عاصيا أو مقصرا في بعض الواجبات، فإن خرجت دون إذنه، كانت عاصية ناشزا، تسقط نفقتها، وتأثم بذلك.
لكن يستثنى من ذلك حالات الاضطرار، وقد مثّل لها الفقهاء بأمثلة منها إذا خافت من انهدام المنزل، أو خافت من عدو أو حريق ونحو ذلك.
أما خروج المرأة لزيارة والديها أو أحدهما خاصة فإن العلماء اختلفوا في ذلك:
فذهب الحنفية والمالكية إلى أن الزوج ليس له أن يمنعها من ذلك.
قال ابن نجيم الحنفي في البحر الرائق: ولو كان أبوها زمِنا (أي مريضا) مثلا وهو يحتاج إلى خدمتها والزوج يمنعها من تعاهده، فعليها أن تعصيه مسلما كان الأب أو كافرا، كذا في فتح القدير، وقد استفيد مما ذكرناه أن لها الخروج إلى زيارة الأبوين والمحارم، فعلى الصحيح المُفتى به: تخرج للوالدين في كل جمعة بإذنه وبغير إذنه، ولزيارة المحارم في كل سنة مرة، بإذنه وبغير إذنه.
وقال في التاج والإكليل على متن خليل المالكي: وفي العُتْبية: ليس للرجل أن يمنع زوجه من الخروج لدار أبيها وأخيها، ويُقضى عليه بذلك، خلافا لابن حبيب. ابن رشد: هذا الخلاف إنما هو للشابة المأمونة، وأما المتجالّة (العجوز الفانية) فلا خلاف أنه يُقضى لها بزيارة أبيها وأخيها، وأما الشابة غير المأمونة فلا يقضى لها بالخروج. انتهى.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه له أن يمنعها، ويلزمها طاعته، فلا تخرج إليهما إلا بإذنه، لكن ليس له أن يمنعها من كلامهما ولا من زيارتهما لها، إلا أن يخشى ضررا بزيارتهما، فيمنعهما دفعا للضرر.
قال صاحب كتاب أسنى المطالب الشافعي: وللزوج منع زوجته من عيادة أبويها ومن شهود جنازتهما وجنازة ولدها، والأولى خلافه. انتهى.
وقال صاحب الإنصاف الحنبلي: لا يلزمها طاعة أبويها في فراق زوجها، ولا زيارةٍ ونحوها. بل طاعة زوجها أحق.
هذا كلام أصحاب المذاهب، والذي يظهر هو رجحان القول بعدم جواز منع الزوجة من زيارة أبويها فإن التفريق بين الوالدة وولدها من أعظم الضرر الذي نبهت الشريعة على قبحه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فرق بين الوالدة وولدها فرق بينه وبين أحبته يوم القيامة. رواه الترمذي وقال حديث حسن.
وعليه فإنه لا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من زيارة والديها وأهلها إلا إذا خاف لحوق ضرر جراء ذلك ككونهم أصحاب معاصي مثلا، وهو يخشى على زوجته منهم أن يضيعوا دينها ويفسدوا أخلاقها أو أن يكونوا ممن يحاولون الإيقاع بينه وبين زوجته، ويحاولون إغراءها بعصيانه والتمرد على طاعته، فله حينئذ منعها، بل قد ذهب المالكية في هذه الحالة وهي حالة خوف إفساد أبويها لها إلى عدم المنع أيضا، وقالوا كما جاء في الشرح الكبير وحاشية الدسوقي: فإذا ادعى الزوج إفساد أبويها لها وأثبت دعواه ببينة قضي بخروجها مع أمينة وأجرة الأمينة على الأبوين لأنهما ظالمان، والظالم أحق بالحمل عليه وقد انتفعا بالزيارة، فإن كان ضرر الأبوين مجرد اتهام فالأجرة على الزوج لانتفاعه بالحفظ.
وخلافه مع أخواتك لا يبرر له أن يمنعك من أمك فإنه لا تزر وازرة وزر أخرى، ومن الممكن في هذه الحالة أن تأتي أمك لزيارتك دفعا للخلاف وتجنبا للشقاق، فإن أصر على منعك تماما من زيارتها ومنعها من زيارتك دون سبب فلك حينئذ أن تخرجي لزيارتها دون إذنه كما صرح به ابن نجيم في القول السابق.
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية:61150، 73619، 67544.
والله أعلم.