عنوان الفتوى : حكم مجالسة من لا يصلي وينكر الحجاب ويسخر منه ويسخر من عائشة
ما حكم مجالسة مَن لا يصلي ، ولا يصوم ، وينكر الحجاب ، ويقول : إنها خاصة فقط بنساء النبي صلى الله عليه وسلم ، ويسخر منه ، وفي مرة سمعته يسخر من السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها ، وخاصة إذا كان من صلة الأرحام ؟ .
الحمد لله
أولاً :
إن هذه الأفعال التي تسأل عن مجالسة صاحبها هي : كفرٌ ، وردة ، ونعجب من انتسابه
للإسلام وهو على هذه الحال ، فترك الصلاة كفر أكبر ، ثبت ذلك بالكتاب ، والسنَّة ،
وإجماع الصحابة رضي الله عنهم .
والحجاب للنساء : إن كان يقصد به غطاء الوجه " النقاب " ونحوه ، فثمة خلاف بين
العلماء فيه ، والأصح أنه على واجب على النساء جميعاً ، وليس هو خاصّاً بأزواج
النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله - :
وأما بالنسبة للنقاب : فتغطية الوجه واجبة ، على الصحيح من قولي العلماء ، وهو الذي
تؤيده الأدلة الصحيحة ؛ لقوله تعالى : ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى
جُيُوبِهِنَّ ) النور/ 31 ؛ ولقوله تعالى في نساء النبي صلى
الله عليه وسلم : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ
حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) الأحزاب/ 53 .
وكون الخطاب ورد في نساء النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع أن يتناول الحكم غيرهن
مِن نساء المسلمين ؛ وذلك لأنه علل ذلك بعلة عامة ، وهي قوله : ( ذَلِكُمْ أَطْهَرُ
لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) الأحزاب/ 53 .
فالعلة عامة ، لنساء النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن ، ولغيرهن مِن النساء
، والطهارة مطلوبة للجميع ؛ لقوله تعالى في الآية الأخرى : ( يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ
عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ )
الأحزاب/ 59 .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 4 / 242 ، 243 ، السؤال رقم 250 ) .
ولمزيد تفصيل : ينظر جواب السؤال رقم : (
11774 ) .
وأما إن كان يقصد بالحجاب غطاء الرأس : فليس في وجوبه خلاف بين أهل العلم ، وإنكاره
للنوعين ، وسخريته بهما : ردة عن الدِّين ؛ لأن الخمار وإن لم يكن واجباً عند بعض
أهل العلم : فهو متفق على مشروعيته ، وأنه من دين الله ، فإنكاره والسخرية به كفر
مخرج عن الملة .
وليس ثمة مجال لهذا الزنديق أن يسخر من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، إلا أن
يطفح ما في قلبه من النفاق والزندقة ، ويظهر على فلتات لسانه ، فعائشة أم المؤمنين
، وزوج النبي صلى الله عليه وسلم ، والمبرأة من الله في آيات تتلى إلى يوم القيامة
، فمن سخر منها فإنما يسخر من زوجها ، وهو النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن نفى أن
تكون أمّاً للمؤمنين فهو يخرج نفسه من دائرتهم ، وليس يضرها شيئا .
ثانياً:
إذا كان هذا هو حال هذا القريب : فليعلم أنه فاعل لما يوجب ردته ، وأن عليه التوبة
، والرجوع إلى دينه ، وأنه إن لقي الله بهذا : لقيه على غير الإسلام .
وأما الواجب عليكم – بعد نصحه - : فهو أن تهجروا مجالسه ، وتحذروا منه ، إلا أن
يكون من يريد الجلوس معه على قدر من العلم ليرد عليه كفره ، وليحذر مجالسيه من
شرِّه، وتكون صلته غير واجبة ، بل لا يجوز ابتداؤه بالسلام .
قال تعالى : ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا
أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي
الْجَاهِلِينَ ) القصص/ 55.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ ) من جاهل خاطبهم به ، ( قَالُوا ) مقالة عباد الرحمن
أولي الألباب : ( لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ) أي : كُلٌّ
سَيُجازَى بعمله الذي عمله وحده ، ليس عليه من وزر غيره شيء ، ولزم من ذلك : أنهم
يتبرءون مما عليه الجاهلون ، من اللغو ، والباطل ، والكلام الذي لا فائدة فيه .
( سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) أي : لا تسمعون منَّا إلا الخير ، ولا نخاطبكم بمقتضى جهلكم
، فإنكم وإن رضيتم لأنفسكم هذا المرتع اللئيم : فإننا ننزه أنفسنا عنه ، ونصونها عن
الخوض فيه ، ( لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ) من كل وجه .
" تفسير السعدي " ( ص 620 ) .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
هل يجوز أن أجالس تارك الصلاة ؟ .
فأجابوا :
مَن ترك الصلاة متعمِّداً جاحداً لوجوبها : فهو كافر باتفاق العلماء ، وإن تركها
تهاوناً وكسلاً : فهو كافر ، على الصحيح من أقوال أهل العلم ، وبناءً على ذلك : لا
تجوز مجالسة هؤلاء ، بل يجب هجرهم ، ومقاطعتهم ، وذلك بعد البيان لهم أن تركها كفر
، إذا كان مثلهم يجهل ذلك ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (
العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) ، وصحَّ عنه صلى الله عليه
وسلم أيضاً أنه قال : ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) أخرجه مسلم في
صحيحه ، وهذا يعم الجاحد لوجوبها ، والتارك لها كسلاً .
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 12 / 374 , 375 ) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة :
هل يجوز إلقاء السلام على تارك الصلاة ؟ .
فأجابوا :
أما تارك الصلاة جحداً : فكافر بالإجماع ، وتاركها كسلاً ، غيرَ جحد لوجوبها :
فكافر ، على القول الصحيح من أقوال العلماء ، فلا يجوز إلقاء السلام عليه ، ولا رد
السلام عليه إذا سلَّم ؛ لأنه يعتبر مرتداً عن الإسلام .
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان ,
الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 24 / 141 , 142 ) .
وقال علماء اللجنة الدائمة :
ومَن استهزأ بدين الإسلام ، أو بالسنَّة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
كإعفاء اللحية ، وتقصير الثوب إلى الكعبين ، أو إلى نصف الساقين ، وهو يعلم ثبوت
ذلك : فهو كافر ، ومن سخِر من المسلم ، واستهزأ به ، من أجل تمسكه بالإسلام : فهو
كافر ؛ لقول الله عز وجل : ( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ
تَسْتَهْزِئُونَ . لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ )
التوبة 65 , 66 .
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان ,
الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 2 / 43 , 44 ) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
والواجب : هجر تارك الصلاة ، ومقاطعته ، وعدم إجابة دعوته ، حتى يتوب إلى الله من
ذلك ، مع وجوب مناصحته ، ودعوته إلى الحق ، وتحذيره من العقوبات المترتبة على ترك
الصلاة في الدنيا والآخرة ؛ لعله يتوب ، فيتوب الله عليه .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 10 / 266 ) .
وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله - :
هل يجوز لي أن أجالس وأشارك في المأكل والمشرب تارك الصلاة المصر على تركها ؟ .
فأجاب :
لا يجوز لك أن تجالسه وتشاركه في المأكل والمشرب ، إلا إذا كنت تقوم بنصيحته ،
والإنكار عليه ، وترجو أن يهديه الله على يديك ، فإذا كنت تقوم بهذا معه : وجب عليك
أن تقوم به معه ؛ لأن هذا من إنكار المنكر ، والدعوة إلى الله تعالى ، لعل الله أن
يهديه على يديك .
أما إذا كنت تشاركه ، وتجالسه ، وتأكل وتشرب معه من غير إنكار ، وهو مقيم على ترك
الصلاة ، أو مقيم على شيء من الكبائر : فإنه لا يجوز لك أن تخالطه ، وقد لعن اللهُ
بني إسرائيل على مثل هذا ، قال تعالى : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي
إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا
وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ )
المائدة/ 78 ، 79 .
وجاء في تفسير الآية أن أحدهم كان يرى الآخر على المعصية فينهاه عن ذلك ، ثم يلقاه
في اليوم الآخر وهو مقيم على معصية : فلا ينهاه ، ويخالطه ، ويكون أكيله ، وشريبه ،
وقعيده ، فلما رأى الله منهم ذلك : ضرب قلوب بعضهم ببعض ، ولعنهم على لسان أنبيائهم
.
وحذرنا نبي الله صلى الله عليه وسلم من أن نفعل مثل هذا الفعل ؛ لئلا يصيبنا ما
أصابهم من العقوبة .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 2 / 246 ، السؤال رقم 215 ) .
وانظر جوابي السؤالين : : (
4420 ) و (
47425 ) .
والله أعلم